نعيش اليوم في عالم يسيطر عليه عمالقة القوة التكنولوجية والاقتصادية، ويتميز بالتكتلات الكبيرة السياسية منها والاقتصادية. ولعل أكبر المخاطر التي تهدد العالم هي تلك الناجمة عن التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
إن المتابع للعلاقات بين هاتين الدولتين، خاصة في العقد الأخير، يرى حرباً اقتصادية مستعرة، تحمل بين طياتها عضاً للأصابع بين الطرفين، ومحاولات لتطويق كل طرف للطرف الآخر عسكرياً واقتصادياً. ولا شك أن الولايات المتحدة لا تريد منافساً لها على زعامة العالم، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت تلتفت للتنين الصيني الناهض، فبدأت، منذ مطلع العقد الثاني من هذا القرن، تتحدث عما يسمى «الخطر الصيني»، وحتمية توجيه القوة الأمريكية نحو الشرق لكبح جماح الصين، وإبقائها تحت السيطرة، ومنعها من الوصول إلى قمة العالم.
وقد انفتحت أبواب الصراع ضد الصين بشكل رسمي منذ عدة سنوات، عندما وصف أحد المسؤولين الأمريكيين الصين بأنها «تهديد متسارع» - أي «الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تشكل تحدياً نظامياً لأمريكا» اقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً وعسكرياً.
ويعاني الاقتصاد الأمريكي خللاً بنيوياً كبيراً يتعذر إصلاحه، حيث تجاوزت الديون السيادية عتبة 30 تريليون دولار، ولا إمكانية عملية لوقف مراكمة الديون بسبب ضعف الإنتاج وإفلاس الكثير من الشركات، وازدياد معدلات البطالة، وزيادة نسب التضخم الاقتصادي بشكل غير مسبوق في التاريخ الأمريكي. في حين أن الصين لديها وفرة مالية ضخمة، وتشهد نمواً اقتصادياً متواصلاً. ولهذا تلجأ الإدارات الأمريكية إلى تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج عبر استعراض القوة والتهديد باستخدامها ضد الصين، في محاولة لبث الذعر في قلوب الصينيين، وبالتالي دفعهم إلى التسليم بالقدر الأمريكي.
وتلوح في الأفق مخاطر حرب مدمرة بين الولايات المتحدة والصين، ويتجلى ذلك من خلال تكثيف التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأقصى، وخاصة في بحر الصين الجنوبي، ومن خلال زيادة الدعم العسكري لتايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من ترابها الوطني. لكن الصين التي تسترشد بفلاسفتها، لا تبدو مستعجلة لخوض حرب قد تكون مدمرة مع الولايات المتحدة، وهي تبحث عن الفرص، وحتى لو كانت ضئيلة، لالتقاطها والبناء عليها من أجل تبديد شبح الحرب وإطالة أمد السلام، ومن هذا المنطلق فقد لبى الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمشاركة في اجتماع التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» في مدينة سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، الشهر الماضي، حيث انعقدت على هامش هذا الاجتماع، قمة بين الرئيس الصيني والرئيس الأمريكي.
وكانت التجارة وتايوان وإدارة العلاقات الأمريكية الصينية المتوترة مواضيع رئيسية فيها. لكن هذه القمة لم تنتهِ بالإعلان عن قرارات محددة. ولعل ما زاد من تعقيد الوضع هو وصف الرئيس بايدن للرئيس شي بأنه «ديكتاتور»، وهذا يمثل انتقاصاً من الدولة الصينية ومن النظام السياسي القائم فيها. ومن الواضح أن الاتجاه نحو التصعيد مستمر. ورغم أن الرئيس جو بايدن قد أكد للرئيس شي جين بينغ أن التنافس بين البلدين يجب ألا يؤدي إلى الصراع، لكن هناك ملفات تمسك بها الولايات المتحدة ولا تتخلى عنها، وهذه الملفات تلحق أكبر أذى بالصين، ومن أهمها ملف تايوان، التي تريد الصين استعادتها، بينما ترفض الولايات المتحدة ذلك وتريد بقاءها مستقلة، وتواصل تسليحها بأحدث أنواع الأسلحة، وتتهيأ للدفاع عنها، وهناك ملف بحر الصين الجنوبي الذي أعلنته الصين بحراً إقليمياً لها، في حين أن الولايات المتحدة ترفض ذلك وتصر على حقها في الدفاع عما تسميه «حرية الملاحة في البحار».
قد تتساهل الصين في المسائل التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة لكنها لا تستطيع التساهل في القضايا الاستراتيجية التي تخص أمنها القومي.
التعليقات