نُسِبَ إلى «هنري كيسنجر» وزير الخارجيَّة الأمريكيِّ الأسبق، أنَّه قال عام 2011: «إنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة تطارد الصِّين وروسيا، وسيكون المسمار الأخير في النَّعش هو إيران، التي هي بالطبع الهدف الرئيس لإسرائيل.. لقد سمحنا للصِّين بزيادة قوَّتها العسكريَّة، ولروسيا التَّعافي من السوفييتية، لمنحهم إحساسًا زائفًا بالشَّجاعة، وهذا سيخلِّف زوالًا سريعًا لهم.. نحن مثل القنَّاص الذي ينتظر مَن يرفع بندقيَّته، فيحصل الانفجار الكبير.. الحرب المقبلة شديدة، بحيث لا تفوز بها سوى قوَّة عُظمى واحدة. وهي نحن!!.
أهداف «كيسنجر» هذه جرى تعديلٌ عليها، خاصَّةً في عهد الرئيس الأمريكيِّ باراك أوباما؛ لتعكس أفكار وأهداف الليبراليَّة الأمريكيَّة المتطرِّفة الجديدة (نسبيًّا)، بحيث تتفاعل مع حقائق على أرض الواقع. استفادة الصِّين من الانفتاح في ظلِّ العولمة، وحرية التِّجارة، وامتداد سلاسل التَّوريد ما بين آسيا والغرب، واستفادة الشَّركات الغربيَّة، من الفوائد التي تحقِّقها سياسة التَّصنيع في الصِّين، بحيث تحوَّلت الصِّين إلى كتلة اقتصاديَّة متقدِّمة ضخمة، وأخذ اقتصادها ينمو بشكل هدَّد مراكز الشَّركات الغربيَّة، بما فيها الأمريكيَّة الضَّخمة، وكذلك تلك التي تعتمد على تكنولوجيا جديدة. لذا أصبحت أمريكا تُعيدُ بناء إستراتيجيَّاتها تجاه الصِّين، بحيث إنَّها بطريقها لقبول أنْ يكون الصينيُّون شُركاء في مجالات عدَّة لأمريكا، ويسعى الأمريكيُّون في الوقت الحاضر إلى تقليص مدى هذه الشَّراكة، في الوقت نفسه الذي تسعى فيه بكين إلى الحصول على أفضل حصَّة ممكنة.
المواجهة مع روسيا كانت مختلفةً، حيث سارعت إدارة بايدن إلى إعادة لملمة أشلاء التَّحالف الغربيِّ في أوروبا، الذي تعرَّض لصدمةٍ كبيرةٍ في عهد الرئيس السَّابق دونالد ترمب، وأصبحت السَّاحة الأوروبيَّة مركز مواجهة عسكريَّة فيما بين روسيا والغرب على الأرض الأوكرانيَّة، وفي المجالات الاقتصاديَّة. ويبدو أنَّها سوف تتواصل حتَّى يقتنع صنَّاع السياسة الأمريكيَّة أنَّ هدفهم الإستراتيجيَّ قد تحقَّق.
ويبدو أنَّ الشَّرق الأوسط سوف يواجهُ المزيدَ من المؤامرات عليه؛ لإعادة بناء نظامٍ إقليميٍّ، خاصَّةً وأنَّ نظريات الليبراليِّين الجُدد، والذين من المرجَّح استمرار إمساكهم بالبيت الأبيض لسنين مقبلة، تختلف عن نظريَّة هنري كيسنجر، الجمهوريِّ المحافظ، وذلك تجاه كلٍّ من إيران وإسرائيل في المنطقة، وهي نظريَّة ليست في صالح إسرائيل. حتَّى وإن كانت لا تختلف عن نظرة المحافظين الأمريكيِّين في أنَّ إسرائيل كيان يجب الدفاع عنه وحمايته. وهو ما جعل الأساطيل الأمريكيَّة، ومعها بعض الأوروبيَّة، تتسارع إلى إسرائيل، عندما شعرت بأنَّها في خطر.
الأنظمة العربية، بل والشعوب، ستواجه مؤامرات لتغيير أوضاعها. ولا شك أنَّ العرب يمكنهم أن يسعوا لصياغة أوضاع شعوبهم، وخاصة في المجال الاقتصادي، وهو ما جعل دول الخليج العربي واجهة استقرار في منطقة ملتهبة. وهناك دور مهم، في هذا الشأن، يقوم به قادة خليجيون، وعلى رأسهم القائد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، بحيث تستفيد الشعوب العربية من الرخاء الاقتصادي في أوطانها، وأيضاً السعي لتوجيه بوصلة التطورات الإقليميَّة إلى ما يحقِّق مصلحة العرب. بعيدًا عن الشعارات الغوغائيَّة التي عادة ما تسود في الأوضاع المأساويَّة، مثلما تعاني المنطقة، حيث نشاهد السودان وليبيا وسوريا وغيرها، يقتل أبناؤه بعضهم بعضًا، ويسارع الأجنبيُّ إلى تمويل الجميع. بينما يواصل الفلسطينيُّون معاناتهم، بحثًا عن كيانٍ طال انتظارهم له.
التعليقات