نتابع باهتمام مجريات الأمور في الكويت العزيزة علينا في ضوء الرسائل العديدة التي تلقاها الجميع بعلم الوصول، رسائل مهمة وواضحة وربما بعضها كان «بين السطور»..

ومجمل الرسائل ايجابية من أجل الكويت ومن أجل شعبها ومن أجل مستقبلها، وباختصار هي معبرة عن منهج عمل جديد، وطموحات جديدة، وأولويات جديدة في محلها، في كل الحقول، والميادين، وعلى كل الصعد وشكل خارطة طريق جديدة للكويت.. وهو أمر يذكرنا بأصداء انطلاقة ميثاقنا الوطني قبل 32 عاماً الذي أطلقه جلالة الملك واعتبر هو الآخر خارطة طريق لمسيرة تنموية وإصلاحية شاملة للبحرين.

يمكن القول إن ما يجري في الكويت كان حصيلة تفاعل كبير بين مضمون خطاب النطق السامي لسمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أثناء جلسة اليمين الدستورية في مجلس الأمة التي عقدت في 19 ديسمبر الماضي واتفاق العديد من الشخصيات والدوائر الكويتية بأن الخطاب ابتعد عن الشعارات المراوغة او التائهة وبشّر بنهج جديد وليس تجديد القديم الذي يشل الحياة ويقتل الأمل، وهو أمر بث الأمل في نفوس الكويتيين، وشكّل بداية مهمة بيّن فيها الحاكم الجديد رؤاه وتوجهاته في تولي مسؤولياته لحكم البلاد في المرحلة المقبلة وأبرز المهام والأولويات والانشغالات المنتظرة أمام الكويت، وأكد بأن هذه المرحلة هي مرحلة عمل قوامها المتابعة والمراقبة المسؤولة والمساءلة الموضوعية ومواجهة مكامن الخلل، والمحاسبة الجادة ومواجهة أي إهمال او تقصير او عبث بمصالح الوطن والمواطنين، بالإضافة الى ترسيخ تحقيق عملية التكامل الإصلاحية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي العملية التي شابتها الكثير من المناكفات والمراوغات..!

لقد أشار سمو أمير دولة الكويت وبمنتهى الشفافية الى تحديات عديدة شدد على أنها ستواجه بالجرأة والحسم بالاضافة الى أمور أخرى ستخضع للمراجعة والتصويب والتقويم، مع تأكيده بالالتزام الثابت بالدستور والإيمان الراسخ بالديمقراطية كمنهاج حكم وتحصين الجبهة الداخلية والمحافظة على الهوية الوطنية، وكان لافتاً إشارته الى مظاهر انحراف اعترت العمل البرلماني والى ممارسات مغلوطة للبرلمان والحكومة والى لعبة مصالح بين بعض أعضاء السلطتين والى إساءات في فهم الديمقراطية وبعث برسالة الى المعنيين والمتهمين بالعرقلة ووضع العصي في دواليب الاستحقاقات الوطنية مفادها أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تطوير وتغيير وحزم واذا كان هناك من رأى ان الحزم متفاوت من حيث الفهم والمقاصد والأهداف وحتى النوايا، إلا أن الحزم المنشود يفرض نفسه على المستوى العام تجاه أمور او ملفات كثيرة في المقدمة منها تلك التي تطرق اليها سمو أمير دولة الكويت في النطق السامي.

ربما من ذلك المنطلق وُصف بأن ما ورد في الخطاب هو طرح استثنائي، وهناك من وصفه بأنه خارج عن المألوف، ووجدنا من قال بأنه يدشن لمنهج عمل جديد يمس الطريقة والإجراءات والقواعد والضوابط والسياسات والتعليمات والقوانين والحقوق والمجتمع، والإدارة وإصلاح الاعوجاج في الممارسة الديمقراطية خاصة عبر تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وما أشير اليه في سلوكيات سياسية تسيدتها المجاملات والمساومات وأخطاء شابت المسيرة النيابية، يكفي التمعن في ردور الفعل الشعبية حيال هذا الذي طرح على الساحة الكويتية، منها البيان الصادر بإسم دواوين الكويت، وما طرحه مجموعة من الأكاديمين والإعلاميين والنشطاء في الندوة التي نظمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة الكويت تحت عنوان «تحليل خطاب الأمير»، إضافة الى ما ورد في افتتاحيات بعض الصحف الكويتية، وما جرى تداوله في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وما طرح في بعض المنتديات والندوات والملتقيات الشعبية، اضافة إلى ما خرجت به دراسة صادرة عن وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة حول مضمون الخطاب.

يمكن من خلال كل ذلك الخروج بنتيجة هي أن كل الأطياف والقوى في الساحة الكويتية متفقة على أن ما طرحه وتعهد به سمو الأمير مشعل يشكل خارطة طريق جديدة للعمل الوطني في المرحلة المقبلة، ويضع الجميع امام مسؤولياتهم للبدء في عملية التطوير والإصلاح الشامل في جميع المجالات من خلال برنامج عمل يحدد مسؤوليات المواطنين والنواب والحكومة في الفترة القادمة في مواجهة أوجه الخلل والفساد، وبالنظر إلى الأنشطة المذكورة وخاصة ندوة مركز الخليج للدراسات فإنه يمكن التوقف أمام تأكيد أستاذ الانثربولوجيا وعلم الاجتماع بجامعة الكويت د. محمد الحداد الذي أوضح بأن الخطاب تكون من 4 ركائز أساسية، نقد ما هو كائن والإرشاد والتوجيه والمتابعة والمحاسبة، إضافة الى التحذير ثم التطمين، وكذلك أمام ما قاله أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د. على الطراح بأن الخطاب انفرد لأول مرة بتاريخ الكويت بنقد السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبأن هناك ثلاث ركائز في الخطاب أمنية واقتصادية ومعيشية، في حين كانت هناك أكثر من مطالبة بنظام انتخابي جديد، ويمكن ان نضيف إلى ذلك ما قالته في الندوة الإعلامية الكاتبة إقبال الأحمد التي اعتبرت الخطاب بأنه استثنائي وإن هذه الاستثنائية ترجمت في الاهتمام العالمى وليس المحلي فقط بمضمون ما جاء في الخطاب، وشددت على أن الرهان هو تطبيق ما جاء في الخطاب.

وبالنسبة للدراسة المشار اليها فقد أشارت وهذا ما أكده وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الى ان الخطاب تضمن ثلاث مبادرات الاولى توجيه المواطنين إلى مراقبة ومتابعة أعضاء مجلس الأمة وتفعيل مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار ومراقبة الأداء البرلماني والحكومي، والمبادرة الثانية هي توجيه الحكومة الى تبني نظام المراجع الخفي والمبلغ السري لمراقبة أداء العاملين في القطاع الحكومي لعملهم، أما المبادرة الثالثة فهي توجيه جهاز الإعلام الرسمي باعتباره ملكاً للمواطنين وليس الحكومة إلى عقد ندوات وملتقيات شعبية لاستعراض ما يهم المواطن واطلاعه على حقيقة ما يعرض في مجلس الأمة او في مجلس الوزراء من مشاريع وقرارات تهم المواطنين ومتابعة تنفيذها، والدفع بالمواطنين إلى مراقبة ومتابعة اداء النواب، وكل ذلك يعني أن المواطن الكويتي أصبح أمام ورشة إصلاحية جديدة ينتظر أن تقتحم بلا تردد او هوادة الطريق نحو المستقبل وفق رؤية واضحة وعازمة على التغيير الحقيقي والفاعل الذي يفتح آفاقًا جديدة تجعل البلد ومسؤوليه، ونوابه، وسياسييه، واقتصادييه، وموظفيه، وقواه العاملة غارقين إلى ما فوق المألوف في ورشة نهوض بالبلد تتناول الإصلاح، والتغيير، ومواجهة من تنازعوا على مكاسب خاصة وجعل أمور الوطن تمشي على قياسهم ومصالحهم، واقتحام أسوار الفساد والفاسدين والمتجاوزين في كل شأن ومجال وميدان مهما علا شأنهم ومقامهم.

ألا يكفي ذلك للخروج باستنتاج بأن ما يجري في الكويت من حراك في ضوء ما ورد في النطق السامي هو عنوان لمرحلة جديدة من التغيير والتطوير، وهو هدف أضحى قيد التداول في الساحة الكويتية، وأمام هذا الذي يجرى في هذه الساحة ليس أمامنا إلا التفاؤل بعهد جديد واعد في الكويت أساسه الإصلاح والتغيير، نتمنى كل النجاح والتوفيق فيما تنشده الكويت من آمال وتطلعات وأهداف.

ولنعلم، ونتذكر، ونذكّر ان بث روح الأمل في الكويت، وفي البحرين، وفي أي دولة او مجتمع أمر مهم ومطلوب بشكل دائم، مع التركيز على الأمل والطموح ووضوح الرؤى، وقبل كل شيء حسن الإدارة وعزم الإرادة..