الصين وأمريكا تتنافسان في الحلبة العالمية، وتسعى كل منهما إلى كسب أكبر عدد من دول العالم اقتصادياً، وتقوم بتمويل مشاريع اقتصادية متنوعة؛ لتستفيد من ناتج أي من هذه المشاريع لصالح اقتصادها. صحيح أن أمريكا هي أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن الصين نجحت في تنمية اقتصادها بشكلٍ يهدد الهيمنة الأمريكية الاقتصادية عالمياً.
بادرت الصين إلى مد (طريق الحرير) الجديد فيما بينها وأوروبا عبر العديد من الدول. ومؤخراً وقعت أمريكا اتفاقاً مع كل من الهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لإنشاء ممر اقتصادي من الهند، (وليس أمريكا)، يربط أوروبا بالهند عبر الشرق الأوسط. ومن الملاحظ أن الممر الاقتصادي الهندي أطلق عليه اختصاراً مسمى (IMEC)، حيث تملك الصين - عبر مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ - ميناء حيفا الجديد، الذي افتُتِحَ مؤخراً، واشترى كونسورتيوم - تقوده مجموعة أداني الهندية - ميناء حيفا القديم بأكثر من بليون دولار. وسيمر الممر الهندي عبر هذين الميناءين في طريقه إلى ميناء بيرايوس اليوناني، الذي تديره شركة الشحن الصينية العملاقة كوسكو.
من الضروري أن نعي ونراقب التحولات التي تحدث في العالم خلال هذه الفترة، التي يعاد فيها إعادة تنظيم الوضع العالمي الجديد، حيث سيكون لنا دور هام في هذا الأمر، نظراً للقوة الاقتصادية، إلى جانب القوة المعنوية بمختلف أشكالها كقوة ناعمة، التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية بقيادتها الشابة، مما يجعلها في وضع تسعى القوى الراغبة في إيجاد موقع لها في النظام العالمي الجديد، لكسب ودها ودعمها. والتنافس الاقتصادي الآن هو بين الصين وأمريكا بشكل رئيسي.
الصين سعت إلى زيادة استثماراتها في المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، ليكون لها موطئ قدم هناك. كما عززت أمريكا علاقاتها الاقتصادية بجاراتها المكسيك عبر زيادة الاستثمار وتنويعه. وأظهرت إحصاءات تجارية أمريكية بنهاية العام الماضي 2023 أن حصة المكسيك من السوق الأمريكية تزايد بشكل كبير، مما هدَّد حصة الصين في هذه السوق، بحيث تراجعت الواردات الصينية إليها من 22% (عام 2017) لتصبح 16% فقط.
الشركات الأمريكية تقوم بتصنيع بعض منتجاتها في دول أخرى، وخاصة الصين، مما يساعد على نمو الواردات الأمريكية منها، إلا أن التنافس الحاد الذي ظهر مؤخراً بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم؛ دفع الشركات الأمريكية إلى نقل بعض الإنتاج بعيداً عن الصين، وخاصة إلى دول آسيوية أخرى، مثل تايوان وكوريا الجنوبية والهند وبنغلاديش. وشهدت فيتنام ارتفاع الاستثمارات الأمريكية بشكلٍ كبير، عكستها أرقام التجارة الأمريكية التي أشارت إلى أن واردات أمريكا من فيتنام ارتفعت إلى (136) مليار دولار عام 2022، (مقابل 21 مليار دولار عام 2012)، لتصبح أحد أهم شركائها التجاريين.
وتركز واشنطن على توسيع تجارتها مع فيتنام، التي تقع على الحدود الصينية، ولها تاريخ مضطرب من العلاقات مع الصين، والتي شنت عليها حرباً العام قبل الماضي لمعاقبتها على سياستها تجاه كمبوديا، وزَارَتْهَا وزيرة الخزانة الأمريكية «جانيت بلين»، الصيف الماضي، وشددت على أهمية هذه الدولة في سلاسل الإمداد الأمريكية. كما استقبلت هانوي عاصمة فيتنام الرئيس الأمريكي. جو بايدن، والرئيس الصيني، شي، أيضاً، في وقتين متقاربين، مما يعكس الأهمية التي تشكلها فيتنام للبلدين المتنافسين، وتجعلها وسط صراع تجاري متزايد فيما بينهما، سيتحول إلى اتفاقيات وتحالفات تجعلها غير بعيد عن قلب التنافس الساخن بين القوتين العالميتين.
التعليقات