تفردت قناة العربية بحوارات مميزة مع زوجة وابنة زعيم داعش الهالك أبو بكر البغدادي، وكشفتا الستر عن خليفة المسلمين ودولته المزعومة، وسلطتا الضوء على الهشاشة التي قام عليها هذا التنظيم في تشكيل دولته، التي أُسست لحاجة في نفس المُستفيدين من قيامه عن طريق المؤامرات ودعم بعض الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية له، لتنفيذ أجندة خاصة في المنطقة اقتضتها ظروف المرحلة لما بعد سقوط بغداد، وقد حذرنا وزير خارجية العراق الأسبق زيباري من عودة الدواعش، خاصة وأن لهم بقايا من نساء وأطفال ورجال جبناء متفرقين في بعض مناطق الصراع في العالم.
شاهدنا ما فعله البغدادي ورجاله الساقطون من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وكانت قوافل القتل والتدمير بأعلامها السوداء ترفرف بين المدن العراقية والسورية بكل حرية في صحراء مكشوفة واضحة في رابعة النهار دون أن يمسس جيش الخلافة أي مكروه.
انصب حديث الزوجة والابنة على الهوس الجنسي الذي قامت عليه دولة الخلافة، فنشطت أسواق بيع الجواري والغلمان وتم تبادل الفتيات والفتيان بين زعماء الدواعش، وظهرت عدة روايات تفضح الكثير مما جناه داعش في حق الإسلام والمسلمين، وأصبحت مناطق الخلافة المزعومة للبغدادي أماكن جذب لكل الشاذين والمحرومين وتجار الجنس والمخدرات.
وانتهت دولة الخلافة وذهبت إلى مزبلة التاريخ مع الخليفة وأعوانه ومريديه، وإن كانت بقاياهم تحاول الظهور ببعض العمليات مما يحتم ضرورة القضاء التام عليهم، فلن يولد من رحم الدواعش إلا كما قال نوح عليه السلام (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).
وأنا أتابع العربية، تداعت إلى خاطري مقارنة عابرة بين جماعة «الحشاشين» في الزمن الماضي ومثيلتها «داعش» في زمننا الحاضر، فوجدت أن المشابهة بينهما قائمة بشكل متطابق، فجماعة «الحشاشين» ظهرت في القرن الخامس الهجري، منفصلة عن الدولة الفاطمية، متخذة من سورية وبلاد فارس معقلاً لها، داعية إلى إمامة «نزار المصطفى لدين الله» ومن جاء مِن نسله، بحجج أحقيته بإمامة المسلمين.
اتخذت طريق العنف لتحقيق هذه الغاية في أفظع صوره، قد تكون مشابهة لما كان يفعله الدواعش، فنشرت الرعب في أوصال العالم الإسلامي وقتذاك، وجعلت الاغتيالات سبباً لإزاحة كل من يقف في طريقها، متخذة أسلوباً غاية في «الطرافة»، فبحسب ما ذكره الرحالة الإيطالي ماركو بولو، من أساطير في قصة شاعت باسم «أسطورة الفردوس»، جاء وصفه لـ«قلعة الموت» التي كان يتحصن بها «الحشاشون»، حيث يقول: «كانت فيها حديقة كبيرة مليئة بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين.
كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج ويتنقلون بين أحضان الفتيات الجميلات منعمين بكل ما في جنة الحشاشين الموعودة.
ثم يتم تخديرهم مرة أخرى، لإخراجهم من الجنة وإرسالهم إلى شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟ فيردون: من الجنة، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة»!
هذه الصورة المختصرة هي نفسها ذات الصورة التي كانت تمثلها جماعة «داعش» في خطابها، الذي تتوسل به إلى اليفع والسذج وهي تقودهم إلى المحارق والموت الزؤام، وهي تختصر لهم الجنة في ملذات تبدأ من الخمر ولا تنتهي عند الحور والغلمان، في مشهد غرائزي بحت لا غرو أن يجد له قبولاً عند الشواذ والمراهقين والمنطفئين عقلاً وروحاً ونفساً.
وقد شرعت لهم سوق نخاسة في القرن الواحد والعشرين يبيعون فيها الجواري والغلمان، في مشهد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه «وصمة عار في جبين إنسان القرن الواحد والعشرين»..
إن حالة الحرب المضادة التي شنت على جماعة «الحشاشين» سابقاً استطاعت أن تجتث شأفتهم، وأن توقف عدوانهم، وقد بقيت جِيناتهم القذرة نشهدها في أفعال الدواعش في حاضرنا.
فالطرح ذات الطرح، والعنف ذات العنف.. إن الحسم العسكري لبقايا «داعش» أمر مهم وضروري، في أي مكان يظهر أن لهم وجوداً فيه.
وفي نفس الوقت لا بد من بث رسائل فعالة وموحدة مضادة لروايات داعش الفكرية وغيرها من حركات الإسلام السياسي التي تحض على العنف وكراهية الآخر ومحاربته بعيداً عن سماحة الإسلام وعدالته لتقويض جاذبية منهجهم الفكري، ودحض حججهم الفارغة وبيان كذبهم وافتراءاتهم، ومساعدة الأصوات ذات المصداقية لتنقية الفكر الديني مما علق به من عنف وتنطع وخرافات وأساطير وحكايات متطرفة ليست من الدين الإسلامي، وتنقية المناهج وتنظيف العقول من سخام التخلف والكذب وتنقية النصوص من ترهات الفقهاء وتفاسيرهم الخاطئة وكذبهم البواح، ولا نسمح لهم بالتلاعب بعقولنا مرةً أخرى والكذب علينا تحت لافتة الدين.
التعليقات