أثار إعلان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانيّة عبد الله بو حبيب عن "استعداد لبنان للحرب في حال فرضت علينا" صخباً ساخراً، ليس في الأوساط السياسيّة والشعبية فحسب بل في الكواليس الدبلوماسيّة أيضاً!
هذا "الصخب الساخر" ليس مرتبطاً بالقوة العسكرية للدولة اللبنانيّة، فهي لا تحتاج إليها في الوقت الحالي، إذ إنّ الجميع تتقدّمهم الدولة المعادية، إسرائيل، يريدون للقوات الشرعية اللبنانية مدعومة من اليونيفيل، أن تبسط سيطرتها على الأراضي اللبنانية وتُنفذ القرارات الدوليّة ولا سيّما منها القرار 1701.
في الواقع، إنّ هذا "الصخب الساخر" مرتبط في أنّ الحكومة اللبنانيّة الحاليّة، سلّمت نفسها لـ"المقاومة الإسلاميّة "، فهي لا تتحدّث باسم شعبها ولا باسم مؤسساتها ولا باسم جيشها، بل باسم "حزب الله"، بل يكررون، ما يحدده لهم، في خطابات علنيّة، الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.
إنّ الحكومة اللبنانيّة، على مستوى وزارة الخارجية، ليست عاجزة عن خوض الحرب فحسب، بل أيضاً عن توفير الحد الأدنى من الإمكانات لتشغيل سفاراتها وقنصلياتها في العالم، بحيث تحاول، حاليّاً، إقفال تلك التي لا تستطيع أن توفّر تمويلاً ذاتيّاً لها، من خلال معاملات المنتشرين اللبنانيّين الذين يتلوون من غلاء الخدمات القنصليّة، أو من خلال التبرّعات التي تحاول أن تحصل عليها من أثرياء الجاليات اللبنانيّة في الدول التي تعمل فيها.
وليس سرّاً أنّ كثيراً من الدبلوماسيّين، زوّاراً أو مقيمين في لبنان، يفضلون عدم التعامل مع وزارة الخارجية، على اعتبار أنّ محادثاتهم فيها تعتبر هدراً للوقت.
ويقول دبلوماسي أوروبي أحدث تجاهله المتكرر لوزارة الخارجية في الآونة الأخيرة أزمة: "مشكلتنا في لبنان تكمن في أنّ هناك منافسة بين المسؤولين فيه على استرضاء حزب الله. نحن نفتّش عمّن يبحث معنا في مصلحة لبنان وليس في ما يريده منّا حزب الله".
ويعاني الخطاب العلني الذي يعتمده المسؤولون الحكوميون اللبنانيّون من ثغرات فاضحة.
وخلال استقباله نظيره النمساوي ألكسندر شالنبرغ، قبل يومين، قال بو حبيب في رد على ضيفه إنّ القانون الدولي يعطي لبنان حق مقاومة المحتل بسبب استمرار احتلال إسرائيل لأراض لبنانيّة، منذ العام 1967، في إشارة الى مزارع شبعا.
وكان الوزير النمساوي قد لفت الى أنّ "حزب الله" يظن أن اللعب بالنار يمكن أن يمر من دون عواقب.
وقد كان رئيس الدبلوماسيّة النمساوية في إسرائيل قبل الوصول الى لبنان، حيث سمع من مسؤوليها كلاماً عن "نفاد الصبر"!
المشكلة في رد بو حبيب تكمن في أنّ "حزب الله" نفسه لا يربط إشعال الجبهة الجنوبيّة، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بتحرير الأراضي اللبنانيّة المحتلة، بل بدعم تنظيمات "جبهة المقاومة" في قطاع غزة، وهو يرفض البدء في البحث في أيّ تسوية للنزاع اللبناني - الإسرائيلي، قبل أن توقف إسرائيل إطلاق النار في غزّة.
وهذا يجعل كلام بو حبيب عن حق لبنان بمقاومة المحتل خارج السياق الحقيقي للأمور ويغرقة في "سفسطائية" لا ترغب الدبلوماسية الدولية في خوض غمارها، على الإطلاق.
ناهيك عن أنّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين كان قد انطلق، قبل السابع من تشرين الأوّل، في مساع لإزالة الخروقات الإسرائيلية للخط الأزرق الذي تعتبره الأمم المتحدة حدوداً مؤقتة بين لبنان وإسرائيل.
ويدرك لبنان أنّ الحرب مع إسرائيل، مهما كانت نتائجها، لم يعد بإمكانها إزالة الخروقات بل من شأنها أن توسّعها.
وللبنان في تجربة حرب تموز (يوليو) 2006 دليل، إذ إنّ "حزب الله" الذي أعلن انتصاره في تلك الحرب خسّر لبنان أراضيَ في أكثر من منطقة، فغالبيّة الخروقات حصلت في ضوء هذه الحرب، ولا سيّما منها إعادة احتلال ما يصطلح على تسميته بالجزء اللبناني من بلدة الغجر.
والأدهى من ذلك، إنّ الوزير المفترض أن يعكس موقفاً لبنانيّاً جامعاً، يتجاهل الاعتقاد الدبلوماسي الراسخ بأنّ لبنان لم يلتزم بتعهداته لجهة وجوب تطبيق القرار 1701 الذي يحظر وجود تنظيمات مسلّحة على امتداد الحدود اللبنانية - الإسرائيليّة، كما يتجاهل أنّ مناطق الحظر هذه أصبحت مباحة للتنظيمات الفلسطينية.
وقد حاول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعدما أدرك عجز لبنان عن تجاوز هذه النقطة الجوهريّة في الاتصالات الدوليّة، أن يحوّل ما سمّاه "الموارد الضئيلة" للجيش اللبناني إلى مخرج من هذا "المأزق".
وعلى الرغم من إدراك المجتمع الدولي عدم دقة ما يقوله ميقاتي إلّا أنّه يوافق على وجوب تعزيز إمكانيات الجيش اللبناني، الأمر الذي تتولّاه باريس وروما وواشنطن، وتشارك فيه دول عربيّة أبرزها قطر.
وكان مجلس الأمن الدولي قد حاول في الصيف الماضي أن يسد هذه الثغرة في قدرات الجيش اللبناني، من خلال عاملين، أوّلهما تعزيز قدرات اليونيفيل في الجنوب لمنع الخروقات التي يتم تسجيلها في تطبيق القرار 1701، وثانيهما توفير ما أمكن من دعم مالي ولوجستي للجيش اللبناني في الجنوب.
ولكنّ "حزب الله" ثار ضد تعزيز صلاحيات اليونيفيل، الأمر الذي دفع بالحكومة الحالية الى تنفيذ ما طلبه وذهب عبد الله بو حبيب من أجل ذلك الى نيويورك لمنع "هذا الانحراف الدولي".
حتى الآن يوجد طرف واحد في لبنان يحاول أن يحترم نفسه. إنّه الجيش اللبناني. صحيح أنّ كثيرين يأخذون عليه غيابه عن معادلة الحدود التي يفترض أن يكون سيّدها، ولكنّ الصحيح أكثر أنّه يناضل ليُبقي الماء في فمه!
التعليقات