بعد أربعة أيام أو أقل سيدخل شهر رمضان الكريم، وسترافقه عادات لا نعرفها الا فيه، ولا أقصد الزيادة في جرعة العبادات وحدها، وإنما عادة بدأت منذ قرابة 21 عاماً، عندما قامت شركات الانتاج التلفزيوني بالتركيز على الشهر الفضيل، وكأنه مهرجان فني لا تعبدي، وقد أجرت شركة (نتفليكس) في عام 2018، استطلاعاً لمعرفة سلوكيات المشاهدة العربية في هذا الشهر، وكانت على ثلاث دول عربية بينها المملكة، وشمل ألفا وخمس مئة وثمانية واربعين شخصا، اعمارهم فوق 18 عاماً، وانتهت الى ان نسب مشاهدتهم للتلفزيون ارتفعت بحوالي 78%، او ما يعادل تسعين ساعة مشاهدة اضافية طوال شهر العبادة، زيادة على المتوسط العالمي الذي يصل الى ست ساعات يومياً، وبالتالي فالتلفزيون يتفوق على غيره في الايام الرمضانية، وحتى السوشال ميديا لا تنافسه.
المسألة لا تتوقف عند الاعمال التلفزيونية، لان الاعلانات تعيش حالة هستيريا بدورها، ولدرجة وصول مدة الفواصل الاعلانية بين البرامج المختلفة الى 30 دقيقة، وبطريقة تجعل الاعلان مصدر ازعاج حقيقيا، ويوجد قانون في الاتحاد الاوروبي تم اقراره عام 2006، يلزم المحطات الاوروبية في دول الاتحاد، ألا تزيد فواصلها الاعلانية على 12 دقيقة، لكل ساعة بت تلفزيوني، حتى انها هددت اسبانيا برفع قضية ضدها عام 2008، بعد زيادتها لفواصلها الاعلانية بمعدل ثلاث دقائق عن الرقم الاوروبي، والأنسب في اعتقادي هو تحرك منظمة التعاون الاسلامي أو الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، ومحاولة القيام بإجراء مشابه لإيقاف فوضى الاعلانات في رمضان، او البحث عن مواءمة تجمع بين الاعلام والاعلان، مثلما يحدث في اعلانات كرة القدم المصاحبة للمباريات، وفي الاعمال الغربية خفيفة الدسم الاعلاني، وفي منصة اليوتيوب.
الاشكالية الاصعب تبدو في ارتفاع معدلات الاكل في رمضان، مقارنة بغيره من الشهور، والى حد وصول الانفاق على المواد الغذائية في الدول العربية، وتحديداً في رمضان لعام 2023، الى 66 مليار دولار، ولعل التضخم وارتفاع اسعار الفائدة العالمية، مارسا دورا اساسيا في هذه الزيادة، بحسب شركة الابحاث (رد سي كونسلتنغ)، والمتوقع ان يكون الرقم الرمضاني في 2024 اعجازيا بكل المقاييس، ما لم تعمل الاجهزة المعنية، على ضبط اسعار السلع الاساسية في رمضان، وتتوقف حالة الشراهة الرمضانية المعتادة، وبالاخص في وجبة الافطار، فقد ارتفعت مبيعات الاغذية بنسبة 14% وتراجع الطبخ المنزلي بنسبة 50%.
حتى ان الانفاق الرمضاني في عام 2023، زاد في المملكة بنسبة 44%، مقارنة بإحصاءات رمضان الذي سبقه، و35% من انفاق السعوديين السنوي يكون في رمضان، ويصل الى اكثر من 13 مليارا و300 مليون دولار، والارقام ليست مرتبطة دائماً بالاعلانات الخاصة بها، ولا توجد علاقة طردية بينهما، وربما كانت العلاقة عكسية، أو انها تحدث بشكل أكبر في مجالات الازياء والاثاث، وفي غير المواد الاستهلاكية، والعجيب هو كثرة الكلام عن خفض الوزن والحمية الرمضانية بلا مرجعيات، ابسطها في رأيي، النظر في اسباب انتشار السمنة بين 35% من الاميركيين، مقارنة بـ7% من الفرنسيين.
السوابق في الرمضانات الماضية، تشير الى ان زيادة الوزن عامل مشترك ومستقر بينهم، رغم حرص معظم الناس على ممارسة الرياضة بانتظام، وبالذات قبل الافطار، ولكن لا توجد منفعة حقيقة من ذلك، لان الشخص يحرق سعرات حريرية اقل مما يكسب بعد وجبة الافطار، ولا يمارس في الغالب نشاطاً تالياً باستثناء صلاة القيام، التي لا تحتاج لمجهود حارق للسعرات، اذا ما قورنت بالهرولة والمشي والسباحة اليومية، وبالنوم الليلي لثماني ساعات، فالابحاث تربط بين قلة النوم في المساء وزيادة الوزن، وبينه وبين التوحش الغذائي، بجانب ان الاسلام لم يخترع الصيام ولكنه جاء بصيغة جديدة منه، فهو موجود في المسيحية والبوذية وبقية الاديان والثقافات، فهناك الصيام عن الماء او اللحوم لفترات محددة، ويوجد أسلوب علاجي غربي يعتمد على الصيام عن كل شيء الا الماء، لمدة ثلاثة أسابيع، الا انه لا يصلح لكل أحد، وفي الاحوال المثالية، الغذاء المتوازن في فطور رمضان يفترض أن يحتوي على 15% كربوهيدرات بطيئة كالتمور والخبز والباستا، و15% بروتينات كاللحوم والبيض، و50% خضروات وفواكه، و20% في السحور للحبوب والفاكهة المجففة، التي يدخل في تكوينها البوتاسيوم والصوديوم، لانها تعالج غياب السوائل، وتخفض من احتمالية الإحساس بالعطش أثتاء الصوم.
لا اتابع بصراحة ما يعرض على شاشة رمضان الا في حدود ضيقة، وأهتم بعائلتي الصغيرة والرياضة والقراءة، وبأشياء اخرى تخصني، وأتصور ان الصيام فعل أخلاقي وروحاني ونفسي بالدرجة الأولى، والصحة مهمة بالتأكيد، ولا حل الا بالابتعاد عن المناسبات الاجتماعية والضغوط، فقد اكدت الدراسات ان الشخص يأكل اكثر بنسبة 60% عندما يكون ضمن مجموعة، وحملت الضغط النفسي مسؤولية رفع شهية النساء تجاه الحلويات والبرغر بنسبة 62%، وكلاهما يرفع من احتمالية الزيادة في الوزن.
التعليقات