مع حلول شهر رمضان المبارك بات واضحاً أن لا هدناً من غزة الى اليمن ولبنان وصولا الى السودان. كل الجبهات ستبقى مستعرة، حتى لو تخللتها إجراءات ذات طابع دبلوماسي-انساني مثل مشروع الميناء الاميركي المؤقت في غزة الذي يجري الاعداد له لتأمين قدر أكبر من المساعدات الإنسانية لسكان القطاع المنكوب.
في لبنان فشلت مساعي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة لإقناع "حزب الله" بالتخلي عن حرب "المشاغلة" و"المساندة" التي تورط فيها بدءاً من الثامن من تشرين الأول (أكتوبر ) الفائت. وقد تحولت تلك الحرب التي زعم الحزب المذكور انها ستسهم في تخفيف الضغط عن حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى التي تقاتل في غزة الى كارثة حقيقية. سقط للحزب المذكور ما يقارب 250 مقاتلاً، وجرح العشرات، كما بدأت إسرائيل في الانتقال من حرب منخفضة الوتيرة الى حرب أكثر عنفاً بنطاق أوسع تجاوز منطقة الجنوب. كما انها انتقلت من مرحلة الرد على مصادر النيران القريبة من الحدود الى استهداف المقاتلين والكوادر العسكرية والبنى التحتية لـ "حزب الله" بدقة فاجأت الحزب نفسه، الذي ظل حتى هذه اللحظة متمسكاً بقرار الحرب المحدودة المنخفضة الوتيرة تلافياً للانزلاق نحو حرب واسعة لا يريدها. والأهم لا تريدها ايران التي تعتبر "حزب الله" جزءاً من هيكلية نظامها في الداخل، وبالتالي فوظيفته الأساسية تنحصر في خوض حرب دفاعاً عن النظام نفسه، أو الدفاع عن وجوده. أما حرب غزة على أهميتها وخطورتها فلا هي وجودية للنظام ولا هي قضية حياة أو موت لذراعه في لبنان.
من هنا تصميم قيادة "حزب الله" ومن خلفها القيادة الإيرانية على ضبط مستوى الحرب الدائرة. لكن إسرائيل ذهبت أبعد. رفعت الوتيرة، والعنف، والمدى، والأهم انها نجحت في استغلال بنك الأهداف الاستخباري الكبير لديها لتحول الجنوب عامة الى منطقة خطرة جدا على تحركات ناشطي "حزب الله" العسكريين أو المتصلين بالماكينة الحربية ومن بينهم المسعفين. والاضرار كبيرة جداً، حتى لو لم يعترف بها الحزب نفسه. كما ان مستوى التدمير في القرى التي يستهدف فيها المقاتلون أو الناشطون بات مرتفعاً جداً. أكثر من 2000 وحدة سكنية مدمرة بالكامل، وآلاف الوحدات السكنية الأخرى تضررت. أضف الى ذلك أن النشاط الاقتصادي الرئيسي في الجنوب القائم على الزراعة صار في خطر كبير نظراً لاستخدام إسرائيل في العديد من عمليات القصف ذخائر حارقة فوسفورية حارقة للمزروعات وملوثة للتربة وحتماً للمياه الجوفية في المنطقة.
و إذا كانت بروباغندا "حزب الله" تتفاخر بالأضرار في الجانب الإسرائيلي، وهي ليست بالقليلة لناحية النزوح، والأضرار في المستعمرات والقرى والبلدات والمنشآت العسكرية، فإن النزوح من الجنوب اللبناني مماثل للنزوح من الشمال الإسرائيلي. والاضرار غير المباشرة على الاقتصاد الجنوبي واللبناني عموماً اكبر بكثير في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة مالية كبيرة، وغياب الدولة التام، وانهيار مؤسساتها أطرها الدستورية. والأخطر ان لبنان منقسم عامودياً حيال مصادرة "حزب الله" قرار الحرب والسلم بشكل متفرد، وزج لبنان واللبنانيين في حرب لا احد يريدها خارج بيئة الحزب المذكور، في وقت ترتفع فيه أصوات وان خجولة داخل البيئة الحاضنة لتشكك بجدوى استمرار الحرب، خصوصاً ان الأهداف - الشعارات التي وضعت لها لم تتحقق، بعدما انتقل الإسرائيليون في مطلع هذا العام الى توسيع نطاق الحرب وفصلها تدريجياً عن حرب غزة نفسها. ومع تراجع إمكانية التوصل الى هدنة في غزة باتت الأمور اكثر تعقيداً، لاسيما ان الضربات باتت تتعدى قتل المقاتلين او المسؤولين العسكريين او الكوادر لتشمل عائلاتهم وسكان المباني التي يلجأ اليها هؤلاء.
لقد تحولت "حرب "المشاغلة" الى ورطة وفخ. إسرائيل تنشد الحرب، أميركا تطلب تنفيذ مطالب لترتيبات أمنية جدية،" او تدير ظهرها لحرب اسرائيلية أوسع، وحزب الله" لا يدرك انه حان الوقت لوقف هذه المغامرة.
إشارة أخيرة لها دلالاتها، السواد الأعظم من برجوازية البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" تعيش في عالم آخر في بيروت، أو في مراكز التزلج في جبل لبنان، او تتنقل بين لندن، باريس وميلانو.
التعليقات