منذ فجر التاريخ كان الخبز يُصَنَّع يدوياً حتى أزاحت الآلة همّ تحضيره. في كل المعارك التقليدية والتجارية، ينظر متخذ القرار إلى مخزونه من الرغيف، ليعطيه مؤشراً إلى أمد مقاومته.

إذا كان في مقدور الإنسان البقاء على قيد الحياة لنحو 30 يوماً على رشفات من الماء، فإنه في مقدوره العيش إلى أبعد من ذلك مع رغيف خبز من الحبوب الكاملة (بحسب الفئة العمرية والصحية). وقد قامت ثورات وحروب طاحنة من أجل تأمين كسرة خبز. وقد لقنت ثورة 14 يوليو (تموز) 1789 فرنسا درساً لن تنساه عندما هاجم الباريسيون حصن الباستيل للاستيلاء عليه لتأمين القمح إلى جانب عتاد المعركة. ثم أصبحت فرنسا لاحقاً أحد أكبر منتجي القمح العشرة عالمياً.

ما زلنا في الوطن العربي متأخرين في قوت يومنا. فرغم أن مصر تحتل المرتبة الأولى عربياً بوصفها أكبر منتج للقمح (9 ملايين طن سنوياً) فإنها صنّفت بأنها أكبر مستورد للقمح عالمياً!

والأمر نفسه يحدث في إقليم الخليج الذي ما زال يعتمد على المخزون العالمي. المفارقة أن الخبز كان قوت أهل الجزيرة العربية قبل أن تصل إلى سواحلها شحنات الأرز من أقاصي آسيا، ليقلب أصناف المائدة رأساً على عقب، فتربعت الكبسة (المجبوس) وأخواتها على موائد الطعام.

وما زال الصينيون والأميركيون والروس والأوكرانيون والفرنسيون والكازاخستانيون يتقدمون دول العالم في إنتاج القمح. خطورة تراجعنا في قوائم تأمين ما يكفينا من الرغيف في الأزمات تنذر بأزمة كبيرة، وهي ضعف الاكتفاء الذاتي. فلا يعقل أن يعتمد العربي على الأجنبي لتصنيع ما يتناوله وما يرتديه من عقاله إلى أخمص قدميه.

ويمتاز الخبز بقيمته الغذائية العالية بوصفه مصدراً مهماً للطاقة، لأنه غني بالكربوهيدرات، المطلوبة في النشاط البدني الذي يزداد في الحروب. كما أن للخبز مقدرة على الحفظ لمدة طويلة. فقد كان أول رغيف يحلق به رواد الفضاء عام 1969 على شكل شريحة مغطاة بالبلاستيك، ظلت صالحة لنحو أربعة أسابيع.

ويعد سعر شطيرة ماكدونالدز بيغ ماك، مؤشراً اقتصادياً شائع الاستخدام لقياس قوة الشراء بين عملات الدول المختلفة، الذي قدمته مجلة «إيكونوميست» عام 1986 بطريقة ساخرة لكنها سرعان ما ذاع صيتها. وكذلك الحال مع الخبز الذي يعد عنصراً اقتصادياً مهماً بحسب مؤشر أسعار المستهلك (CPI) أو مؤشر تكلفة المعيشة بين الأمم. أي أنه المؤشر الرئيسي للتضخم، أو معدل التغيير في الأسعار في شتى البلدان.

نتعلم من رمزية معارك الرغيف ألا ندخل مواجهة من دون تأمين الحد الأدنى من مؤونة الصمود، ولذلك لا تضع الدول الكبرى قرار الحرب بيد فرد، فلا بد من موافقة البرلمان في حالات عديدة، لتقليل تداعيات الشخصنة أو نوبات التهور، وكذلك الحال في مجالس الإدارة التي تلجم تهور الإدارة التنفيذية عن المضي قدماً في رعونة المغامرة.