في أمسية رمضانية جمعتني بأحد الأئمة الأفاضل تعرفت منه على الجهد الذي يبذله «مجلس حكماء المسلمين» خلال شهر رمضان عبر منصاته على شبكات التواصل الاجتماعي التي تحظى بمتابعة الملايين، خصوصاً أنها تضم نخبة من العلماء الثقات ممن يقدمون نموذجاً مشرفاً وحضارياً للإسلام الحنيف، ويطرحون بموضوعية قضايا دينية وموضوعات تهم المسلمين بأسلوب ينسجم مع العصر عبر سلسلة برامج، ومن بينها برنامج «الإمام الطيب»، الذي يقدِّمه فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ورئيس «مجلس حكماء المسلمين»، وفيه يشرح فضيلته ربط تفسيرات معاني أسماء الله الحسنى بأحداث الحياة المعاصرة، وما يشهدُه العالم في الوقت الحاضر من أزمات وكوارث وحروب وصراعات، وكيفية أخذ الحكمة من تلك الأحداث، وإلى جانبه برنامج «قيم إنسانيَّة مع الحكماء»، الذي يطرح قيماً مثل المساواة والهوية والمواطنة والتسامح والاحترام والتعاون، تلك التي نصت عليها وثيقة الأخوة الإنسانيَّة، وأهمية تلك القيم في حياة الناس لتعزيز الأمن والاستقرار والسلام وبناء مجتمعات متماسكة.

ولعل أكثر ما يبهج النفس أن «مجلس حكماء المسلمين» ركز اهتمامه على فئة الشباب في سبيل حمايتهم من الانجرار وراء شعارات خادعة، حتى تلك التي يُروّج لها تُجار الدين. فمن خلال برنامج «حكايات إنسانيَّة مع الشباب»، يتناول المجلس قصصاً ومواقف عن قيم الأخوة التي تلهم الشباب لإحداث التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم. وضمن هذا البرنامج، استضافت أبوظبي الشهر الماضي المرحلة الثانية من البرنامج الذي شارك فيه طلبة من 11 جامعة مرموقة من مختلف أنحاء العالم. والطلبة المشاركون ناقشوا التحديات وبحثوا في المعوقات التي تواجه نشر مفاهيم وقيم الأخوة الإنسانية وتعزيزها في الحرم الجامعي.

ليس هذا فحسب، فقد حرص المجلس على إيفاد مجموعة بعثات دينية إلى عدد من الدول لإحياء ليالي شهر رمضان، ونشر الوسطيَّة والاعتدال والفكر الإسلامي المستنير. وضمت تلك البعثات عدداً من قرّاء القرآن والدعاة الذين تم إيفادهم إلى كل من إندونيسيا، ماليزيا، كازاخستان، ألمانيا، وإيطاليا وغيرها، وذلك لإمامة المصلين، وتلاوة القرآن الكريم، وتقديم الدروس والخطب والندوات الدينية التي تهدف إلى تعزيز جسور التواصل بين المسلمين في كافة أنحاء العالم، وتنمية الوعي الديني لديهم، وتعزيز اندماجهم الإيجابي في مجتمعاتهم الجديدة.

إن من يتابع عمل المجلس سيدرك الرؤية التي يسير وفقها، وخطط العمل التي يعمل بناء عليها، والجهد الكبير الذي يبذله العاملون فيه والقائمون عليه، وهم الذين يواكبون العصر بطريقة لا جور فيها ولا مغالاة، ويستلهمون من الحياة والناس أدواتهم.

في ظل ما تعانيه الأمة من تسلط الجهلاء، ومحاولات المجموعات الخبيثة فرض رؤيتها وتفسيراتها للدين، بغية السطو على عقول وعواطف البسطاء لاستغلالهم أبشع استغلال، كان لا بد من جهة لها ثقلها كي تتقدم لمواجهة الأخطار الآنية والمحتملة التي تتسبب بها تلك المجموعات التي تهدد استقرار المجتمعات وتضرب مشاريعها التنموية، فضلاً عن تشويهها صورة الإسلام ووصمه بالعنف والإرهاب، ومن أجل كل ذلك يأتي حراك المجلس بفائدة كبرى على كافة المستويات. وأنا والمؤمنون بدور المجلس على يقين بأن جهوده ستؤتي ثمارها لأنه برسالته ورؤيته وأهدافه وخططه يريد التصدي للأفكار الهدامة، والعمل على إرساء قيم التسامح على المستوى العالمي.

والمتابعون للمجلس يرون بأعينهم بشائر خير تلوح، ذلك أن أفكاره النبيلة تكتسب تباعاً أنصاراً جدداً، ويزداد التفاف المؤيدين لأفكاره المعتدلة حول العالم، فيدعمونها ويقفون معها لأنهم يجدون فيها طوق النجاة للمجتمعات، وخصوصاً تلك التي تزيد معاناتها بسبب ضيق فسحة الأمل فيها اقتصادياً ومعرفياً. ذاك الضيق الذي يستغله كل من يريد السوء بتلك المجتمعات ويذهب نحو تدميرها.