يحاول الأدب الاقتصادي الربط بين مورد النفط وتنوع الاقتصاد والاستثمار في الطاقة المتجددة، ومن أهم النظريات فرضية "لعنة الموارد" التي تفترض أن البلدان الغنية بالموارد غير المتجددة مثل النفط، تعتمد بشكل مفرط على الإيرادات التي تدرها، مما يجعها لا تستثمر في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والطاقة المتجددة، حتى ولو استمرت أسعار النفط في ارتفاعاتها، كما تسلط نظرية لعنة الموارد الضوء على حاجة البلدان إلى تنويع اقتصاداتها والاستثمار في الطاقة المتجددة لتجنب العواقب السلبية الناجمة عن الاعتماد بشكل كبير على الموارد غير المتجددة، مثل النفط والغاز والثروات المعدنية.

وتباينت النماذج الاقتصادية الكمية وسادها نوعاَ من الغموض، عند دراستها للعلاقة بين أسعار النفط ونمو الاقتصاد وتنويعه وتطوير الطاقة المتجددة في البلدان المصدرة للنفط، حيث وجد بعضها علاقة إيجابية، بينما وجد البعض الآخر علاقة سلبية، وفي المحصلة اتفقت الأدبيات في مرحلة ما إلى حد ما على أن الاعتماد على الموارد الطبيعية يمكن أن يقود إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض جودة المؤسسات الحكومية والمزيد من الفساد.

والسؤال، ما إذا كانت الموارد الطبيعية بمثابة نعمة أو نقمة على اقتصاد بلدٍ ما، والذي يحددها نوع ووفرة الموارد الطبيعية، ورؤية وسياسات البلد الاقتصادية التي تهدف إلى استغلال الموارد الطبيعية المتاحة، وبناء اقتصاد أكثر تنوعاً ومرونة لمواجهة الصدمات وتقلبات أسعار النفط، كما أن الكثير من البلدان تحاول زيادة صادراتها غير النفطية بنسب تراكمية تفوق الصادرات النفطية أو مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بتمويل من إيرادات القطاع النفطي، وهذه البلدان تدرك جيداً أن النفط والغاز، موردان ناضبان ولا بد أن يكون الاقتصاد معتمداً على موارد أكثر استدامة ومحفزة لنمو الاقتصاد وتنويعه على المدى الطويل ومن أجل التنمية المستدامة.

وبما أن السعودية هي أكبر مصدر للنفط وثاني أكبر منتج وتمتلك أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم، إلا أنها أثبتت العكس تماماً، بأن النفط نعمة ولم يكن في يوم من الأيام نقمة، منذ إنتاجه في 1938م وحتى وقتنا الحاضر، وقد عمت نعمة النفط الاقتصادية بشكلٍ متنامٍ منذ بداية السبعينات مع زيادة الإنتاج والإيرادات، وتزامناً مع تنفيذ الخطط الخمسية، حيث تم بناء وتطوير البنية التحتية والصناعات البتروكيماوية في مسار متصاعد، رغم تقلبات أسعار النفط والأحداث الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، أما في عام 2016م، فقد حدثت ثورة اقتصادية كبرى مع انطلاق رؤية 2030، لتصبح النعمة نعمتين، نعمة نفطية ونعمة غير نفطية، حيث تبنت الرؤية اقتصادًا حيويًّا ومتنوعًا، وتنمية صناعية واعدة، وابتكارات وتقنيات متقدمة، وجذب الاستثمارات، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص.

واليوم، وبعد مرور 8 أعوام على انطلاقة رؤية 2030، جاءت أرقامها مذهلة ومعلوماتها مدهشةً محلياً وعالمياً ومحققة لأهدافها، لتكتمل نعمة النفط وغير النفط نحو اقتصاد متنوع ومستدام وأكثر مرونة. وهذا ما أكده تقرير "رؤية 2030" لعام 2023، بنمو الأنشطة غير النفطية 4.7 %، ومساهمة الإيرادات غير النفطية 35 % أو 457.7 مليار ريال في الميزانية العامة. وبلغت المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي من: الأنشطة غير النفطية 50 % أو 1889 مليار ريال؛ الصادرات غير النفطية 24.5 %؛ القطاع الخاص 45 %. كما أن المملكة لديها استثمارات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وتستهدف إنتاج الكهرباء بنسبة 50 %من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م.