كل الشواهد تشير إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن في مأزق وجودي، اتسعت هوة الأزمات السياسية على كل الأصعدة. بعد أن أطلق مبادرة وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بات الاختيار صعباً أمامه، فهو محاصر بحسابات الانتخابات الرئاسية، وحسابات النفوذ العالمي، ومأزوم بضرورة تأمين وجود إسرائيل في المنطقة.

غزة تربك حسابات بايدن في الداخل والخارج، تحت سيف الوقت أطلق مبادرة لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتظر بايدن ثمانية أشهر، وفي النهاية قدم طبعة أمريكية من المقترح المصري، الذي قبلته «حماس» في السابع من مايو الماضي.

كان يمكن للرئيس الأمريكي، بما يملك من نفوذ وتأثير على الحكومة الإسرائيلية، أن يجنب العالم ويلات هذه الحرب الإسرائيلية، التي أكلت الأخضر واليابس في قطاع غزة، وراح ضحيتها أكثر من 120 ألفاً، ما بين شهيد وجريح ومفقود.

لكن بايدن ظل يراهن على انتصار إسرائيلي خاطف، ولم يتخيل أن الحرب ستستمر ثمانية أشهر، وتتمدد أعراضها في الإقليم، وفي الداخل الأمريكي، وتصبح عنصراً فاعلاً في حسم الطريق إلى البيت الأبيض.

على الصعيد الإقليمي، توجد معركة جانبية بين إسرائيل وجنوب لبنان، وتهديد للملاحة في البحر الأحمر، ومناوشات إسرائيلية - إيرانية، ثم أمريكية - إيرانية، بالإضافة إلى وجود فصائل مسلحة عراقية وسورية، تهاجم حليفته إسرائيل.

صورة واشنطن في المنطقة، باتت على المحك، بعد أن تحولت إلى شريك كامل في العدوان الإسرائيلي على غزة، وفقدت أمام الرأي العام العالمي، دورها كدولة راعية للسلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن أن صورة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وهو يجتمع بمجلس الحرب الإسرائيلي لا تزال عالقة في الأذهان.

كل هذه المشاهد في الإقليم، كانت لها ارتدادات قاسية على الرئيس بايدن، في إدارة شؤونه الداخلية، فمن يتابع تفاصيل الحراك داخل الحزب الديمقراطي، والنخب السياسية الأمريكية المرتبطة بالجناح التقدمي الليبرالي داخل الحزب، يتأكد من تشققات كبرى تضرب الكتلة الصلبة التي أوصلته إلى البيت الأبيض، فثمة استقالات دبلوماسية في وزارة الخارجية، ورفض كثير من رموز الحزب لسياسة بايدن تجاه غزة.

وشاهدنا ذلك في وسائل الإعلام التي كانت تدعم رؤية بايدن طوال نحو أربع سنوات، في ملفات أخرى مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، والتنافس مع الصين، وتدعيم حلف الناتو، لكننا وجدنا الخطاب المختلف من قبل نفس وسائل الإعلام، فيما يتعلق بما يجري من مذابح ومجازر وحشية، بحق الأشقاء الفلسطينيين.

هذه الصورة لا يمكن عزلها عن مشاهد التظاهرات الطلابية التي غزت الجامعات الأمريكية الكبرى، تنديداً بالحرب على غزة، وتعهد الطلاب وذووهم وأنصارهم بعدم التصويت لبايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أيضاً ما يفاقم مأزق بايدن الآن، هو اشتباك حساباته، سيما أنه يسعى للحصول على أصوات العرب الأمريكيين، وأصوات داعمي إسرائيل من اليهود وغيرهم، وكلاهما ينتقد سياسته وموقفه في التعامل مع الحرب على غزة، منذ السابع من أكتوبر عام 2023، وقد عبر الطرفان بوضوح عن عدم التصويت لبايدن في الانتخابات الرئاسية.

المآزق تزداد يوماً بعد آخر أمام ساكن البيت الأبيض، ما إن يحاول التخلص من أزمة تظهر أخرى، يحاول أن يكتب الدواء المناسب لإيقاف الحرب على غزة، بينما تتراجع حليفته أوكرانيا في مسرح العمليات أمام روسيا، ووسط كل هذه الحسابات المعقدة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، يطارده شبح التنين الصيني، الذي يكتسب أرضاً جديدة كل يوم.

إذن، الوقت ليس في صالح الرئيس الأمريكي، فما بين حسابات الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين حسابات الإقليم، وتداعيات ما يحدث في أوكرانيا، وبحر الصين الجنوبي، والانشقاقات الأوروبية - الأمريكية حول مفاهيم التسوية في الشرق الأوسط، وكيفية تطبيق المبادرة التي اقترحها بشأن وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، نجد بايدن يدخل في طريق ربما تكون نهاياته مفتوحة.