عرفت المشاعر المقدسة كما سابقاته، هذا العام، قدوم حشود من مختلف أنحاء العالم ومن كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويقضوا مناسكهم ويؤدوا هاته الفريضة في أمن ويسر وطمأنينة، وقد عاينت شخصياً بفضل من الله، وفي ضيافة وزارة الإعلام، مشاهد ووقائع عدة في خضم مشاعر حج هذا العام أعبر فيها مع كل الحجيج عما تلهج به ألسنتنا من الدعاء لكل القائمين على الحج ولما لقيناه منهم من حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، وحسن التنظيم لشؤون الحج كافة، وهو ما أعاننا على أداء مناسكنا في سكينة روحية، وطمأنينة قلبية، وهاته المشاهد الربانية ستظل في ذاكرة كل حاج، في أنصع السجلات، لأشرف الرحلات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، رحلة الإيمان التي تمثل في وجدان كل مسلم رحلة العمر؛ وإن الحجيج وهم بهذا التنوع والتعدد يثمنون عالياً الجهود المبذولة لإشاعة روح الأخوة والتعارف والتآلف بينهم، فضلاً عن تبصير من يلزم بشؤون دينهم، ولا سيما تعظيم حرمات الله وشعائره.
وقد قامت وزارة الحج والعمرة هاته السنة بخطط فريدة لخدمة ضيوف الرحمن شملت جميع مكاتب شؤون الحج في الدول، مما أسهم في سرعة إنهاء التعاقدات بشكل مبكر جداً مقارنة بالأعوام السابقة، كما تأسس مكتب إدارة مشاريع الحج الذي يعمل على التنسيق بين أكثر من (50) جهة حكومية لخدمة ضيوف الرحمن، قدمت أكثر من 300 خطة عمل، شملت كل الإجراءات والخدمات، كما تم تنفيذ ثلاث فرضيات كبرى للتفويج، بمشاركة (15) حافلة بالتعاون مع وزارة الداخلية لمحاكاة حركة الحافلات بالحج والتأكد من جاهزية القطاعات، وبناء (11) مبنى في مشعر منى يستوعب (37) ألف حاج كنموذج أولي لتحسين التجربة.
كما أطلقت وزارة الداخلية بالشراكة مع وزارة الحج والعمرة هذا العام حملة (لا حج بلا تصريح) للحد من ظاهرة المخالفين في الحج، والتي حققت أهدافها بكل نجاح؛ فقد أطلقت (بطاقة نسك الرقمية) التعريفية التي تحتوي على المعلومات الخاصة بالحاج والخدمات المقدمة له، وتمكن الجهات من تقديم الخدمة له بسرعة وكفاءة عالية، وتحتوي تلك البطاقة على سمات أمنية خاصة ساعدت الجهات الأمنية على تمييز الحاج النظامي من غير النظامي. كما تم وبقيادة وزارة الداخلية التوسع في مبادرة طريق مكة لتشمل (7) دول و(11) مطاراً، قدم من خلالها هذا العام أكثر من (316) ألف حاج تم استكمال إجراءات دخولهم من مطارات بلدانهم ونقلهم مباشرة إلى أماكن إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة بكل يسر وسهولة.
كنا إذن في مكان رباني بين الملايين من الحجاج الذين حجوا وأتوا من كل حدب وصوب، الصغير مع الكبير، الواحد يشهد للآخر بالإيمان فلا يبخس من قيمته مهما كان.. كما اجتمع أصحاب البلدة مع جيرانهم من البلدان الأخرى في وحدة ربانية وتفاهم وتناغم لا يمكن أن يوصف.. هاته قوة خارقة اجتمعت في الملايين من المسلمين في مكان واحد؛ وقد كنت في مخيمنا بعرفة في مكان ضيوف وزارة الإعلام التي أعطت صورة مضيئة لكل جوانب تنظيم الحج وقدموا للحجاج ترحابا لا يعلى عليه وخدمات تليق بسمعتها، بصحبة أناس ما كنت اعرفهم ولا أعددنا هذا اللقاء مسبقا، لنشهد جانيا من قوة وعظمة الدين الإسلامي وفق مرتكز العقيدة والقيم والمبادئ والأخلاقيات والمتمثل في قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}، وما يندرج تحته من قيم ومبادئ ومعايير وضوابط وأخلاق، وجاء جميع الأنبياء ليتحدثوا عن هذا المرتكز الأساس في منهج الاستخلاف الرباني، منذ آدم عليه السلام إلى نوح، وإبراهيم، فموسى، فعيسى، إلى أن ختم الأمر برسولنا محمد عليه وعليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام..
وفي جو أشبه بالمسيرات، تسير قوافل من كل دولة تضم حجاجها تلهج بتلبيات واحدة وسعي لنيل المغفرة غير عابئة بمشاغل الدنيا من أجل حب متفرد مع الله، وفي هذا المشهد الإيماني، الذي لا فرق فيه بين غني وفقير، عربي وأجنبي، لا يمكن أن لا تدمع عيناك ولا أن تخرج بيقين إن ما يجمع المسلمين هو أكثر مما يمكن أن يفرقهم....
وأنت تطوف طواف الوداع، ترى حول الكعبة، التي ضمت حشود الحجاج، مشاهد فيما تبدو وكأنها جنة فيها مختلف الأزهار، حيث يقوم الحجاج برفع شمسيات للوقاية من أشعة الشمس بألوان متنوعة، وهو ما يظهر من أعلى الطوابق المحيطة بالكعبة وكأنها جنة مبهجة للناظرين.. فحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور لكل حاج.
التعليقات