يبلغ عدد سكان إسرائيل 9 ملايين، ويدعمهم ضعف ذلك في الخارج. كما تبلغ مساحة إسرائيل 22 ألف كم2، مقابل 13 مليون كم2 للدول العربية، وقرابة نصف مليار عربي.

تمتاز إسرائيل باقتصاد استثماري وصناعي وزراعي وعسكري متطور جدا، وديموقراطية برلمانية، مقابل 22 دولة عربية ذات بنية اقتصادية وعسكرية فقيرة جدا، مع قلة ثرية ماليا. كما تتصف أغلبية الدول العربية بالاعتماد الكامل على الزراعة التقليدية، والمعونات الخارجية، مع انتشار الأمية في الكثير منها، وتحكم الدكتاتوريات في أغلبيتها، وليست للإنسان قيمة حقيقية فيها!

على ضوء المعطيات السابقة، يستحيل على إسرائيل التعايش مع محطيها، ولو بعد 100 عام، حتى لو قبلت كل أنظمة الحكم الحالية بالسلام، فلا ضمان مستقبلاً من أن أياً منها لن يعود إلى سابق عدائه الوجودي لها، وبالتالي هي مجبرة، ربما للأبد، لأن تبقى قوية ومدججة بالسلاح، رافضة السلام، إلا بشروطها، وستمنع غيرها من امتلاك السلاح النووي أو التقدم الاقتصادي، أو الصناعي، والحربي بالذات، وستعمل جاهدة لجعل الدول العربية، خاصة ذات الكثافة السكانية العالية، تحت سيطرتها، وشعوبها عمالة لديها. كما ستستمر في خطتها الرامية للقضاء على «خرافة» الدولة الفلسطينية، ورفض أي وجود بشري لهم بالقرب منها، وستستمر في القضاء عليهم، إما قتلاً أو طرداً أو تشريداً أو استيطاناً، بعيداً عنها، لكي ينسوا تماماً حلم العودة لدولتهم، وهذا ما سبق أن صرّح به وسعى لتنفيذه العشرات من القادة والسياسيين الصهاينة، بكل صراحة فاجرة.

نكرر القول إننا لسنا مع «حماس»، ولم نكن يوماً مع أفكارها ولا فلسفتها، ولكن عندما يتعرّض وجود شعبها للفناء، كما هو واضح من مخططات اليهود على مدى مئة عام، فليس أمامها إلا الانتفاضة المسلحة، وتكرارها، فهو دفاع عن الوجود وعن الكرامة، وهذا ما فعلته مئات الشعوب قبلها، فلِمَ يلام الفلسطيني إذاً؟ أما قول البعض إن الثورة على الطغاة يجب أن تكون من الجميع، وليست من فصيل فيها، فهو يمثل قمة السخافة، ويخالف كل محاولات التحرر التي عرفناها!

* * *

يقول Mark Perlmutter, MD، الطبيب الأمريكي المتطوع في غزة (12/7/2024)، إنه شاهد في أسبوع، أكثر مما شاهد طوال حياته كطبيب، أطفالاً مقطعي الأوصال، مهشمي الرؤوس، نتيجة تساقط أنقاض المباني عليهم، أو نتيجة إصابتهم بشظايا بحجم الإبهام، أخرجها من رؤوس وأجسام أطفال لم تتجاوز أعمارهم الثامنة،. كما وجد رصاصتي قناص في صدر أكثر من طفل، فكيف يستهدف قناص، تصفه دولته بأنه الأفضل عالمياً، أطفالاً بكل تلك الدقة؟ كما رأى غيرهم مصابين برصاصتين في الرأس، وبدقة عالية، ولا يمكن أن يحدث ذلك بطريق الخطأ، وفق قوله!

بعد كل هذه الدلائل على رفض الصهاينة لأية حلول وسط مع الشعب الفلسطيني، وبعد إقرار الكنيست لقانون يمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واستمرار الكوارث الإنسانية في غزة، ووضوح المخطط الصهيوني لإفنائهم، يأتي «صهيوني وظيفي»، من بني جلدتنا، ليسخر من النضال الفلسطيني ويطالبهم بالاستسلام، وقبول التعايش مع الصهاينة، مع علمه التام بأن الصهاينة لا يريدون ذلك أصلاً، وبالتالي عليه التوقف عن إعطاء الدروس في الوطنية لكل رافض لمطالبه. وبما أنه ليس بذلك الغباء، لكي يقف مع الصهاينة بكل تلك الفجاجة وقلة الخجل، فهو بالتالي مسوّق لأفكارهم، وطرف مستفيد، وما تسويقه لفكرة أو بدعة «التعايش الديني»، إلا دليل على أمر ما.

أحمد الصراف