أسعد عبود

أخذت احتجاجات اليمين المتطرف في بريطانيا، الحكومة العمالية برئاسة كير ستارمر على حين غرة. هجمات على فنادق يقيم فيها طالبو اللجوء وعلى مكاتب محامين يتولون متابعة قضايا هؤلاء، فضلا عن مساجد وأحياء يقطنها مسلمون. وطاولت أعمال الشغب رجال الشرطة الذين سعوا إلى إعادة الهدوء والنظام إلى عشرات المدن والبلدات في انحاء البلاد.

وانتهزت جماعات اليمين المتطرف مقتل ثلاث فتيات طعناً في مدرسة للرقص بمدينة ساوثبورت على يد مراهق يبلغ من العمر 17 عاماً ومولود في ويلز لأبوين مهاجرين من رواندا. لكن فور ذيوع خبر الجريمة، سرت أنباء مضللة عن الفاعل بالنسبة لديانته وعرقه. وازدحمت الحسابات الإلكترونية التابعة لليمين المتطرف بدعوات تحرض على مهاجمة الأجانب وتشيد بالبيض والاعتزاز بكون الشخص بريطانياً وأن يكون مولوداً في بريطانيا.

وأعادت الاحتجاجات العنيفة إلى الأذهان جولات سابقة من أعمال الشغب لليمين المتطرف. لكن اللافت هذه المرة، كان الطريقة التي نظمت بها، مما يدل على أن شيئاً جديداً قيد الحصول، وفق ما استنتجت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية.

إن أول تفجر للعنف حصل في 1919. وحتى السبعينات، كانت تندلع جولات منه، تتركز في المدن وفي الضواحي الفقيرة المختلطة. وسجلت آخر أكبر جولة عنف في 2011، عندما قتلت الشرطة بالرصاص رجلاً أسود في لندن، وتميزت بهجمات على الممتلكات.

أما عنف اليمين المتطرف، فإنه يبني معظم سرديته على الهجرة وكره الأجانب لاعتبارات عنصرية واقتصادية. وبذلك لا يختلف اليمين المتطرف في بريطانيا عن ذاك الذي يجتاح دولاً أخرى في أوروبا. وانتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران (يونيو) الماضي، كانت جرس انذار بأفول القوى الوسطية، كما حدث في فرنسا التي تصدر فيها التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن النتائج. وأنعش هذا التطور آمال لوبن بامكان الوصول إلى الرئاسة في 2027. احتمال دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة، أسفرت عن برلمان معلق وأحدثت شللاً سياسياً في البلاد.

واليمين المتطرف يحكم في إيطاليا والمجر، وهو شريك أساسي في الحكومة الهولندية، وكذلك في النمسا، ويواصل الصعود في ألمانيا وسط توقعات باحراز مزيد من المقاعد في البوندستاغ في الانتخابات المقبلة. وأحزاب اليمين المتطرف التي تعتمد الخطاب الشعبوي، قد تكتسب زخماً جديداً في حال عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وجعل ترامب الهجرة موضوعاً رئيسياً في حملته ويعد بترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك.

إن اليمين المتطرف في بريطانيا، تغذى على قرارات تنم عن العنصرية كان اتخذتها الحكومات المحافظة السابقة. وترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، هو الحل الذي ارتأته حكومة ريشي سوناك ومن قبله ليزا تروس.

وأتقن زعيم حزب الإصلاح البريطاني اليميني المتطرف نايجل فاراج، اللعب على ملف الهجرة، ليحصد 14 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية المبكرة في تموز الماضي.

وخطورة ما يجري في بريطانيا اليوم، دفعت بالملياردير الأميركي إيلون ماسك، وهو حليف لترامب، إلى التحذير من أن بريطانيا في طريقها إلى "حرب أهلية" بسبب الهجرة.

هل ثمة مبالغة في استنتاج ماسك الذي قوبل باستهجان من ستارمر؟

إن قدرة الحكومة على معالجة الأوضاع الناشئة اليوم، ستكشف ما إذا كان ماسك مصيباً أم مخطئاً في تقديراته. هل سيضرب ستارمر اليمين المتطرف بيد من حديد؟ أمر لا بد منه، إذا كان لا يريد استنزاف التفويض الساحق الذي حصل عليه العمال في الانتخابات، في شوارع المدن الملتهبة بنار العنصرية والكراهية.