عماد الدين حسين
ما المغزى من إرسال دول في حلف شمال الأطلسي «الناتو» أسلحة حديثة إلى أوكرانيا، خصوصاً المقاتلة الأمريكية الأشهر F16؟
وهل هناك علاقة بين هذه الأسلحة المتقدمة وبين المفاجأة الكبرى الأسبوع الماضي حينما توغلت القوات الأوكرانية في الأراضي الروسية، وتمكنت من احتلال نحو ألف كيلو متر في منطقة كورسك الحدودية في الأيام الأولى من شهر أغسطس الجاري؟
هل هذه الأسلحة لدعم صمود أوكرانيا فقط ومنع هزيمتها، أم للاستمرار في استنزاف روسيا، خصوصاً بعد مفأجاة كورسك، أم استباق إدارة الرئيس جو بايدن لاحتمال فوز المرشح دونالد ترامب، وبالتالي توريطه في مزيد من الدعم لأوكرانيا، بدلاً من تطبيق شعاره القاضي بوقف أو تقليل الدعم الأمريكي إلى أوكرانيا؟
المتابعون لهذا الملف يتذكرون أنه وخلال قمة الناتو التي انعقدت في واشنطن في الأسبوع الثاني من يوليو الماضي، وعدت هولندا بإرسال 24 مقاتلة من طراز F16 إلى أوكرانيا، كما وعدت بلجيكا بتسليم 30 مقاتلة بحلول عام 2028 والدانمارك 19 طائرة والنرويج 6 مقاتلات.
قبل محاولة الإجابة فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كشف يوم 4 أغسطس عن أن طائرات F16 وصلت إلى بلاده، وبدأ الطيارون الأوكرانيون التحليق بها بعد انتظار دام 29 شهراً، منذ الحرب الروسية على بلاده في 22 فبراير 2022.
زيلينسكى يومها، وهو يقف في مكان سري بين طائرتين مقاتلتين من هذا الطراز، لم يكشف عن عدد الطائرات من هذا النوع الذي تسلمته بلاده، كما لم يتم الكشف يومها عن الدول التي سلمت أوكرانيا هذه الطائرات، علماً أن الولايات المتحدة سمحت للدول التي تمتلك هذه الطائرات بتسليمها إلى أوكرانيا. لكن في منتصف مايو الماضي، قال زيلينسكي خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، إننا بحاجة إلى نحو 130 مقاتلة F16 حتى يكون هناك تكافؤ نسبي مع القوات الروسية.
ولا يمكن فصل هذا التطور عن أن زيلينسكي نجح في الحصول على قاذفات صواريخ من طراز هيمارس وبطاريات باتريوت للدفاع الجوي ودبابات إبرامز.
نعود للإجابة عن السؤال الذي بدأنا به، ونذكر القراء بأن قمة حلف شمال الأطلنطي قد أعطت الضوء الأخضر لبلدان الحلف بتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتقدمة، وهو تطور نوعي مهم مقارنة بأن الأسلحة التي كان يتم تقديمها لأوكرانيا منذ بداية الحرب، كانت تلك الأسلحة السوفييتية القديمة الموجودة لدى الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو من دول أوروبا الشرقية، والتي صار معظمها تقريباً أعضاء في حلف الناتو.
لكن: هل هذه الأسلحة كافية لتمكن أوكرانيا من صد التقدم الروسي المستمر، ناهيك عن إمكانية استرداد الأرض التي سيطر عليها الروس.
يكاد يكون هناك اتفاق بين الخبراء على أن وصول طائرات والدبابات والأسلحة الحديثة إلى أوكرانيا أمر مهم وحيوي لقدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
الملاحظة المهمة أن عدداً كبيراً من الخبراء والمختصين يشككون في قدرة الطيارين الأوكران على إتقان القيادة والعمل على هذه المقاتلات المتقدمة، علماً أن معظمهم كان يطير على مقاتلات روسية الصنع مثل الميغ والسوخوى، وربما لهذا السبب فإن زيلينسكي كان حريصاً يوم استلام هذه المقاتلات على القول: «أنا فخور برجالنا الذين يتقنون قيادة هذه المقاتلات وبدأوا بالفعل في استخدامها».
وهناك تقارير بأن اصطدام مقاتلتين من طراز رفال الفرنسية كان على خلفية تدريب طيارين أوكرانيين.
الخبراء يقولون إن الـ F16 يمكن أن تحسن من أداء القوات الأوكرانية سواء في صد الهجمات الروسية، وكذلك تنفيذ ضربات بعيدة المدى خلف الخطوط الروسية، وتعقب وإسقاط صواريخ كروز المستخدمة في الهجوم على العاصمة كييف وهو ما يبدو بالفعل أنه حدث في عملية كورسك.
لكن: أين المشكلة في كل ما سبق؟!
في تقديرات كثيرين، فإن القوات الروسية لاتزال تستخدم الأسلحة التقليدية، لكن إذا شعرت أن حلف الأطلسي قد بدأ في إرسال المزيد من الأسلحة النوعية، فقد تفكر في استخدام أسلحة نوعية تملك منها الكثير خصوصاً بعد ما حدث مؤخراً في كورسك.
قبل أيام قليلة أعلنت أوكرانيا أنها أغرقت مدمرة روسية، كما قصفت محطات للطاقة خصوصاً مصافي النفط، وهناك تقارير غير مؤكدة بأنها سيطرت علي محطة طاقة نووية في منطقة كورسك، وإذا تصاعدت هذه العمليات، فقد لا يمكن التنبؤ بالمسار الذي ستذهب إليه المواجهة، خصوصاً أن بعض المراقبين يقولون إن إرسال المزيد من الأسلحة النوعية لأوكرانيا قد يجعل المواجهة بين روسيا وحلف الأطلسي قريبة للغاية.
لكن علي الجانب الآخر من القضية، فإن خبراء يقولون إن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومعها الناتو تريد توريط ترامب في حال فوزه برئاسة أمريكا نوفمبر المقبل في حرب مع روسيا، هؤلاء يريدون تسخين المواجهة مع روسيا استباقاً لاحتمال فوز ترامب، بل يعتقد هؤلاء أن قرار توسيع المواجهة تم اتخاذه منذ وقت طويل وهنا يمكن فهم إرسال الـ F16 والمزيد من الأسلحة النوعية الأخرى، وبالتالي قد نفهم ما الدوافع التي قادت أوكرانيا إلى شن عملية كورسك في الأراضي الروسية، وبالتالي فإن ذلك قد يقود إلى استخدام روسيا أسلحة نوعية أشد فتكاً. تلك هي الصورة، فهل تتطور الأمور إلى المواجهة المباشرة؟! لم يعد هناك شيء مستبعد.
التعليقات