سميح صعب

بعد العثور على ستة من الأسرى الإسرائيليين مقتولين في نفق بجنوب غزة الأحد، وما تلاه من نزول مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشارع مطالبين بالإسراع في إبرام اتفاق لوقف النار ينقذ ما تبقّى من أسرى لدى "حماس"، وانضمام اتحاد النقابات الإسرائيلي "الهستدروت" النافذ إلى أصوات الشارع، تنفّس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد ظهر الاثنين الصعداء، وانتقل من الدفاع إلى الهجوم.

مستعيناً بقرار محكمة العمل التي منعت "الهستدروت" من استكمال الإضراب، لم تبدر عن نتنياهو، خلال مؤتمره الصحافي الأطول منذ 11 شهراً، أية إشارة إلى اعتزامه التنازل، لا بل رسم أفقاً واسعاً للحرب، بربطها مجدداً بـ"محور الشرّ الإيراني"، قبل ساعات من إعلانه الضفة الغربية منطقة قتال، وتهديده بأن إسرائيل عازمة على تغيير الوضع في الشمال، سواء باتفاق أو بوسائل أخرى أحجم عن الإفصاح عنها.

تشجّع نتنياهو أكثر في مواجهة المطالبين بإبرام اتفاق لوقف النار، بعد الانتقاد المخفّف الذي أطلقه الرئيس الأميركي جو بايدن عندما قال إنه لا يعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "يبذل ما يكفي من الجهد" للتوصل إلى اتفاق، وهو يدرك تمام الإدراك حدود الضغط الأميركي في ذروة الحملات للانتخابات الرئاسية الأميركية. وقبل شهرين من الانتخابات، لن يغامر بايدن بما أحجم عنه منذ 11 شهراً، أي ممارسة ضغوط قوية على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب وإنجاز صفقة تبادل الأسرى.

وما يُحكى عن اقتراب إدارة بايدن بعد الاجتماع الطارئ الذي عقده الرئيس مع الوفد الأميركي المفاوض، بحضور نائبة الرئيس كامالا هاريس، من الاستعداد لتقديم مقترح أخير لكل من إسرائيل و"حماس"، لن يلقى في أحسن الأحوال سوى مصير ما سبقه من اقتراحات "لسدّ الفجوات" بين الجانبين، ولن يعدم نتنياهو وسيلة للمناورة مجدداً، والدفع بواشنطن إلى إلقاء اللوم على "حماس" في تعطيل التوصّل إلى اتفاق.

وأضاف نتنياهو إلى "الجبهات السبع"، التي يقول إن إسرائيل تقاتل عليها منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، جبهة ثامنة هي الانتخابات الأميركية، التي تحوّلت إسرائيل إلى طرف فيها إلى جانب المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

لم يكن فتح الجبهة في الضفة الغربية الآن عبثاً. في الخريطة التي عرضها نتنياهو في مؤتمره الصحافي، لم تكن ثمة حدود بين إسرائيل والضفة، في دلالة رمزية على ضمّ الأراضي الفلسطينية من دون إعلان رسمي.

الضفة، وظيفتها الآن إطالة أمد الحرب وتقديمها جائزة ترضية للوزيرين اللذين يمثلان المستوطنين، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، على وقوفهما الحازم إلى جانب نتنياهو، وليبقى "حلّ الدولتين" شعاراً أجوف لا يملك أي مقوم من مقومات التحقق على الأرض.

امتصّ نتنياهو غضب الشارع المُطالب باتفاق للتبادل، ووظّف مقتل الأسرى الستة في سياق جهوده للبقاء في محوري فيلادلفيا ونتساريم، كمقدمة لاحتلال دائم للقطاع، وربط انتهاء الحرب بانتهاء حكم "حماس"، مشبّهاً الوضع بما فعله الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، عندما أوقفوا الحرب على ألمانيا بعد انتهاء حكم النازيين. المعادلة التي رسمها نتنياهو هي على الشكل الآتي: خروج إسرائيل من الممرين تعني عودة حكم "حماس".

وحتى المعارضة الإسرائيلية لا تختلف مع نتنياهو على إعادة احتلال غزة والضفة، وإنما خطابها يركّز على ضرورة استعادة الأسرى من خلال وقفٍ للنار قد يدوم أو لا يدوم في المستقبل. وكذا هو الرأي العام الإسرائيلي الذي تؤيّد أغلبيته استعادة الأسرى، لكنه يرفض وقف الحرب عموماً.

ومن هذه القاعدة ينطلق نتنياهو في إطالة أمد الحرب، واضعاً ملف الأسرى في الخلف، مقدّماً عليه القتال على الجبهات القائمة وعلى جبهات قد تفتح على توقيت حاجة نتنياهو إلى ذلك.

ما من زعيم إسرائيلي نجح في ربط مصير إسرائيل بمصيره الشخصي كما فعل نتنياهو، وأقنع أغلبية الإسرائيليين أن وجوده على رأس السلطة هو الضمان الوحيد لما يعتبره حرب الوجود الدائرة حالياً.