راغب جابر

ليست ضربة عادية تلك التي تعرض لها "حزب الله" يومي الثلاثاء والأربعاء. كانا يومين ثقيلين على الحزب وعلى حاضنته الشعبية وراعيته الإقليمية إيران أيضاً. أن يصاب أكثر من ثلاثة آلاف حزبي بين مدني وعسكري بينهم رؤوس كبيرة ويتعطلوا عن العمل في ظرف دقائق قليلة، لهو نكسة بكل معنى الكلمة لها ما بعدها بالتأكيد، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.

تفجير إسرائيل أجهزة "البيجر" التي يستخدمها "حزب الله" أداة للنداء بين عناصره، ثم تفجير أجهزة اللاسلكي وغيرها بعد يوم واحد، هو تحول نوعي في الحرب الدائرة بين الطرفين منذ إطلاق الحزب حرب مساندة غزة في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تلك الحرب التي ظلت مضبوطة تحت سقوف الخطوط الحمر بجهود حثيثة من أميركا التي ما زالت تضغط حتى لا تتوسع الحرب إلى لبنان وتتحول منه إلى إقليمية، مع إعطائها كل الوقت والسلاح اللازمين لبنيامين نتنياهو كي يدمر غزة عن بكرة أبيها ويجهز على "حماس".

إذا كانت ضربة "البيجر" قد أظهرت تعاطفاً كبيراً مع الضحايا وأهاليهم، وبالتالي مع "حزب الله" نظراً إلى ضخامتها ووقعها الثقيل ولأن المستهدفين كانوا عموماً في أشغالهم ومنازلهم وفي الشارع وليس على جبهات القتال، ما يعني أن الهجوم الإلكتروني استهدف مدنيين لا عسكريين، فإنها طرحت أسئلة كبيرة وربما رسمت خطوطاً لمسار المرحلة المقبلة من الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل وبين الأخيرة وإيران كذلك والمجموعات العسكرية الدائرة في فلكها.

ضجت وسائل الإعلام التقليدي والحديث بالتحليلات، أصبح كل ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي خبير متفجرات وضليعاً بالأمن السيبراني. المحللون على شاشات التلفزيون صالوا وجالوا وأطلقوا نظريات وتكهنات مستقبلية لا تستند إلى أي معلومات مثبتة أو مواقف معلنة. وفيما بدا أن "حزب الله" يحاول امتصاص الضربة معترفاً بضخامتها عبر بعض المواقف والتحليلات لقياديين ومقربين، كان الشارع المؤيد له يعيش حالة من الصدمة التي لم تخفف منها كثيراً موجة التعالي على الجرح والتصبر على المصيبة.

أتت الضربة السيبرانية المزدوجة بعد موجة متصاعدة من التهديدات الإسرائيلية بنقل المعركة إلى لبنان والتخلص من تهديد "حزب الله" المستوطنات الشمالية. كان كل شيء يوحي بأن الحرب إذا اندلعت ستكون حرباً برية تدفع خلالها إسرائيل بقواتها إلى داخل الأراضي اللبنانية لإقامة شريط عازل بين المستوطنات وأماكن انتشار قوات "حزب الله"، وكان الحزب يعد العدة لملاقاتها بأسلحته التقليدية التي بقي جزء كبير منها سرياً ولم يدخل الحرب بعد بانتظار الهجوم البري المنتظر (وهو ما زال منتظراً). لكن الضربة أتت من مكان آخر، ربما كان الحزب يتوقع شيئاً مماثلاً لكنه لم يكن قد وصل إلى تحديد ماهيته عندما وقعت الضربة، والضربة لمن سبق.

الضربة قاسية ومؤلمة إذاً باعتراف "حزب الله" ومحلليه، لكن ماذا أراد نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف التي يقودها من هذه الضربة؟

من الواضح أن نتنياهو أراد أولاً توجيه رسالة قوة إلى "حزب الله" وإلى إيران بالقدرة التكنولوجية الهائلة التي يمتلكها ولا يملكان القدرة على مواجهتها، ولا يمتلكان بالطبع مثيلاً لها. وثانياً إثبات قدرته على إلحاق أذى كبير بالأرواح والممتلكات حتى لو لم يستخدم قوة النيران. وثالثاً أنه لا يخضع لطلبات واشنطن وغيرها من العواصم الداعية إلى عدم توسيع الحرب. ورابعاً أنه يخرق جبهة الحزب وإيران خرقاً كبيراً يزعزع ثقتهما بنفسيهما ويثير شكوكاً داخلية قاتلة في معسكريهما. وخامساً توجيه رسالة إلى الداخل الإسرائيلي تعزز ثقته بحكومته وجيشه بعد الفشل في إعادة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم وإسكات منتقدي تأخره بنقل الحرب إلى الجبهة الشمالية.

كانت الضربة الإسرائيلية موجهة ضد مدنيين، وإن كانوا عناصر في "حزب الله"، فالعدد الأكبر منهم كان في الضاحية وفي القرى وليس على خطوط التماس، وهذا لا يحرج إسرائيل فهي تقتل المدنيين يومياً في غزة وقد قارب عددهم الخمسين ألفاً عدا المئة ألف جريح ومفقود، ما دامت تحظى بدعم سياسي من أميركا ودول الغرب رغم الأصوات الكثيرة المنددة بالجرائم التي ترتكبها يومياً.

ربما يكون نتنياهو قد أراد الضربة بمثابة قنبلة نووية صغيرة تفرض على "حزب الله" منطقاً جديداً في مقاربة الحرب ومستقبلها وتجعله يعيد حساباته، فكيف فهم الحزب الضربة وكيف سيرد عليها؟ بالتأكيد ليس بسرب من الطائرات المسيرة ولا بصواريخ الكاتيوشا!