يعتبر قرار توطين أو تكويت المناصب الحكومية من أكثر القرارات فشلاً وضرراً على الجهاز الحكومي، دفعنا ثمنه جميعاً، مقابل ذلك كانت تجربة المصارف في التكويت مثالاً جيداً، ومع هذا لم تعمل به الحكومة. فقد قامت المصارف بالسير في عملية الإحلال منذ الستينيات، تم خلالها الطلب من الإدارات الأجنبية قبل انتهاء عقودها، وعودتها لأوطانها، تدريب الكوادر المحلية، وهذا ما التزمت بها أغلبيتها، قبل أن تفرض عليها هيئة العمالة التسارع في العملية. وربما كانت تجربتي مع التكويت تستحق السرد، فقد بدأت عملي في البنك براتب بلغ 70 ديناراً، وكان الأدنى، لكن أتاحت لي الإدارة البريطانية، بدعم من مجلس الإدارة، فرصة تلقي أفضل تدريب في كل قطاعات البنك، كما تم توفيرها تالياً لمن عمل في البنك من الكويتيين، لكن قلة صمدت وتقدمت وأبدعت، أما الأغلبية فقد تركت مفضلة العمل الحكومي، المريح والمضمون. تركت البنك بعد 20 عاماً تقريباً، وراتبي كان يتجاوز مرات عدة راتب «أتخن» موظف بدرجة وزير.

الجميل أن تكويت وظائف البنك، وفق خبرتي، لم يتم يوما على حساب مصلحة البنك، وأموال مساهميه، فلم يحاول الأعضاء فرض توظيف أبنائهم، طالما لم يتحلوا بالرغبة والجدية.

ولو استعرضنا اليوم خلفيات أغلبية شاغلي الوظائف الإشرافية في أكثر وزارات الدولة تقنية، لوجدنا أن جميعهم تقريباً تم توظيفهم بالواسطة، ويكفي أن وكيل أهم وزارة تقنية خريج كلية شريعة، وغالباً بعلم مجلس الوزراء. كما سلمت حكوماتنا السابقة، بكامل رضاها، أهم وأخطر مرفق في الدولة، وهو التعليم، لأكثر الجهات تسييساً وتحزباً وتخلفاً وتشدداً، ولم تتردد هذه الجهة في وأد كل مقترحات ومشاريع الاستعانة ببرامج البنك الدولي، ونظم التعليم في سنغافورة وفنلندا. لذا لم يكن غريباً فشلنا أخيراً في تنظيم مجرد مباراة كرة قدم دولية، لا يحتاج تنظيمها إلى غير قراءة وتطبيق تعليمات الفيفا في هذا المجال. وفي هذا الصدد، علمت بأن الجهات المعنية بالرياضة اتفقت مع جهة دولية للقيام بتنظيم بطولة كأس الخليج، التي ستقام في الكويت قريباً. ويا ليت يكون هذا الاتفاق باكورة الاستعانة بالخبرات الأجنبية في كل مجال ممكن. فمن البائس التفكير في اختراع العجلة طالما أن الآخرين اخترعوها وطوروها منذ مئة عام، مع ضرورة تضمين عقود الاستعانة بها شروطاً تعاقدية، تجبرها على تدريب الكوادر المحلية، لتقوم بعملها نفسه، مع انتهاء عقودها.

يجب أن نعترف بأننا عاجزون عن إدارة قطاعات كثيرة في الدولة، فكل الأجهزة الحكومية تقريباً بحاجة إلى إعادة تأهيل، وهذا لا يمكن أن يتم بغير الاستعانة بخبرات غربية، تدير لنا أمور مؤسساتنا، فلا يعقل، بعد عشر سنوات من الكلام عن الميكنة وإنجاز المعاملات «أونلاين»، أن أغلبيتها لا تزال تنجز يدوياً، كما هو الحال في البلدية مثلاً. ولا يزال الأمر يتطلب القيام شخصياً، تحت الشمس الحارقة، السير لنصف كيلومتر للوصول إلى مكتب المسؤول لسماع «تعال باكر»!

لقد جربنا كل الطرق، ولم تتبقّ غير الاستعانة بالأجنبي، كما فعل الأشقاء في الخليج، ولو غالباً من وراء الستار، فقد أثبتنا، بسبب تشرذمنا، وتفشي الاستقطابات القبيلة والطائفية بيننا، أننا بحاجة للتأهيل، وأننا «لسنا كفؤين»، لإدارة أغلبية أمورنا بكل ما تتطلبه من أمانة وكفاءة.


أحمد الصراف