في غابة من الجدران المدمرة، والعراء يطوقها، ويخنقها، كانت الطفلة قمر، تحمل على كتفيها الضئيلتين شقيقتها المُقعدة، وفي قلبها لوعة الحرمان، وشقاء الحروب، وعواصف البغض، قمر الطفلة الغزية المرابطة، تعثرت كثيراً، بمعضلات زمن الحياة السائلة، وتبعثرت أشواقها بين قصف ونسف، وذلك البيت المدمر الذي تركت فيه ألعابها، وسريرها الذي حلمت على وسادته، بصباح غير صباحات غزة المنكوبة، حلمت قمر بقمر مستقبلي، وصبح يشرق بابتسامة أمل، حلمت برائحة الأم والأب اللذين غيبهما الزمان خلف ضبابية العالم، وانهيار أسس الحداثة وعدالة الأيام، وحقوقها المسلوبة، وكثير من الدموع التي انهالت على تراب داست على أحجاره المتناثرة، خفاف ركاب ضيعت البوصلة ولم تزل قمر تبحث عن قمرها السماوي، وعن صبح يفصل جدائل الصباح، ويمشط الضفائر، سعياً للوصول إلى مدرستها، ومدرساتها. ولكن اليوم، تنظر قمر إلى قمرها، فلا ترى غير الدخان يتساقط على رموشها البيضاء من أثر المشي على تراب لونه بلون الموجات العارمة، اليوم قمر تسأل الله، والعالم، كيف لطفولة تصبح بلا عفوية، ولا ابتسامة تلون حياتها بالبياض المزدهر فرحاً. وبحكمة من دار زايد، طيب الله ثراه، وجدت قمر قمرها، وسعدت بصباحها، واستراحت نفسها تحت ظلال الخير الإماراتي، وطيبات قيادته، وأهله الخيرين.

قمر، وغيرها من الأقمار في غزة يمضغون الفقر والقهر، وعثرات الزمن، ويمضون في العراء باحثين عن قمر بلا غشاوة، وصبح مؤدلج بالفرح، فأقمار غزة، باتت بلا بريق، حيث الحريق الكوني وزع غضبه دخاناً أسود، ولم تزل الأقمار تنتظر الأيدي البيضاء تمتد إليها بحبٍّ، وتزيح عن الكواهل صدأ الأفكار السوداوية، وتعيد للحضارة الإنسانية إنسانيتها، وتستعيد بريق التاريخ يوم صعدت الحقوق الإنسانية على تلة الحرية، والعدالة والمساواة، رافضة كل ما يحيق بالإنسان من الغبن، والحزن، والشجن.

اليوم تقف الإمارات، إمارات الخير، والعز، والتضامن مع إنسانية العالم، وتقول بصوت كأنه النسيم، هذه أرضنا، وهذه سماؤنا، ونحن أبناء الخيمة الواحدة، والسقف الذي يظللها، تعالوا إلى كلمة سواء لنحقن الدماء، ونمضي في الزمان قلوباً دماؤها من زلال المحبة، ونبضها من سيمفونيات حب الحياة، والتصافي مع الآخر؛ ففي الحروب الكل مهزوم، والكل مكظوم، والكل مثلوم، والكل يحتاج إلى الحقيقة، والحقيقة أن لكل إنسان الحق في العيش كريماً، معافىً من درن القصاص غير العادل، والموازين المختلة، والقوانين المهزومة، والعدالة المكلومة، والابتسامة، المشؤومة.

الإمارات اليوم، رمانة الميزان في عالم يحتاج إلى الميزان الحضاري، وإلى بوصلة تؤدي به إلى خير الجميع، وسعادة الجميع، بعيداً عن المهاترات، وضياع الحقائق في صحار قاحلة، ووديان غير ذات زرع ولا ضرع.