محمد سليمان العنقري

تطور أنظمة السوق المالية السعودية جذب عشرات الشركات لطلب الإدراج وهو مؤشر إيجابي يدل على تعزيز قوة الاستثمار بالاقتصاد الوطني خصوصاً أن مستوى التنظيم في السوق أصبح يوازي الأسواق الناضجة من حيث التشريعات والرقابة والتطور التقني بالتعاملات بالاضافة لتنوع شرائح المستثمرين محلياً واجنبياً؛ فالشركات التي تطلب التسجيل بالسوق أصبحت ترى انه مصدر مهم لتمويل أعمالها بدلاً من التركيز على الاقتراض، وكذلك تهدف لاستدامتها، خصوصاً العائلية منها، بالاضافة الى تحقيق هدف آخر بتوظيف مدخرات الناس لتنمية ثرواتهم على المديين المتوسط والبعيد كإستراتيجية ثابتة في عالم أسواق المال.

وبالعودة لآلية الادراج بالسوق الرئيسي تحديداً فإن البداية تكون بإعلان نية الإدراج وتعيين مدير للاكتتاب، ومن ثم تليها بقية الخطوات حتى الوصول لتقييم السعر الذي يحدد عبر طريقة بناء سجل الاوامر الذي يقتصر الأمر فيه على طلبات الشركات بحسب السعر المقترح من مدير الاكتتاب والذي عادة يكون بين سعرين أعلى وأدنى ويجب أن يتم تغطية كامل الحصة المطروحة للاكتتاب حتى يتم الانتقال لمرحلة اكتتاب الافراد ويخصص لهم عادة 10 بالمائة من الاسهم التي خصصت للاكتتاب، ويكون ذلك بناءً على السعر الذي تحدد بمرحلة بناء سجل الاوامر، والتي كان الغرض منها تحقيق عدة أهداف منها ضمان تغطية الاكتتاب وأن يحدد السعر وفق معايير مهنية وعلمية باعتبار أن الشركات المالية لديها متخصصين يستطيعون تقييم سعر الشركة الحالي والمستقبلي مما يحقق هدفاً ثالثا، وهو كفاءة التسعير بقصد دعم جاذبية السوق بكل مكوناته من مختلف القطاعات والشركات.

لكن الملاحظ ببعض الاكتتابات هو ارتفاع مكرر الربح عند تحديد سعرها لما يفوق 45 مكرر، وحتى مع حسابات النمو المستقبلي حسب التوسعات المتوقعة يبقى المكرر مرتفعاً وبعيداً عن متوسط مكرر السوق فحتى تبقى الأسهم جاذبة يفترض أن تكون بمكررات « مستقبلية» دون 20 مرة على أبعد تقدير، وذلك في فترات الرواج الاقتصادي وزخم السوق المرتفع، وبذلك يطرح سؤالين مهمين: الأول ما الفائدة من بقاء آلية بناء سجل الاوامر إذا لم تحقق هدف كفاءة التسعير ومنع تضخم الاصول بالسوق منذ بداية تداولها، ولِمَ لا يصبح الإدراج بآلية اكثر كفاءة كالادراج المباشر بالاضافة لتحميل مدير الاكتتاب المسؤولية على أي تقييم مرتفع في حال ثبت ذلك للسوق بما يسمح للمتضررين بطلب محاسبته وفق الاجراءات التنظيمية، والسؤال الآخر هو مدى كفاءة أغلب المتخصصين بالشركات المالية، وهذا امر يعود تقييمه لمجالس إدارات تلك الشركات عموماً.

وهنا يبرز تساؤل مهم جداً: هل رغبة بعض من يدرجون شركاتهم بتحديد الرقم المستهدف تحصيله من الاكتتاب لمعالجة احتياجاتهم المالية هو ما يرفع التقييم لحدود أعلى مما تستحق حتى مع النمو المستقبلي؟ بمعنى أنه يريد تحقيق كل إهدافه المالية من ادراج حصة من شركاتهم بالسوق؛ فهذا عامل سلبي لأنه يفقد الفرص الجديدة جاذبيتها الاستثمارية متوسطة و طويلة الأمد مما يستدعي دراسة هذا الامر، واذا ثبت ذلك فتكون آليات الاكتتابات وفق ما يمنع من مثل هذه التوجهات فلا يمكن لأي شركة تحقيق كل أهدافها التمويلية من مصدر واحد بما قد يساهم بتضخم اسعار الادراجات الجديدة ويجعل من الشركة مساهم مضاربة بإمتياز مهما كانت جيدة بنشاطها وحصتها السوقية.

المسؤولية في أي تقييمات مبالغ تقع على عاتق مدير الاكتتاب والشركات التي تساهم بتعهد التغطية والتي تشارك ببناء سجل الاوامر فمكرر الربح يقصد به عدد السنوات التي يسترد فيها المستثمر أمواله من عائد الشركة، وهو عامل مهم في تقييم الفرص الاستثمارية وجاذبيتها والذي ينعكس بنهاية المطاف على زيادة الاستثمارات بالسوق المالية، ويجعل منه وجهة مفضلة للمستثمرين المحليين والأجانب في حال كانت بمستويات مغرية، وبالمقابل فإن التقييمات المبالغ تداعياتها السلبية عديدة نتيجة حدة تذبذبات سعرها ولا تدعم استقرار استثمارات الافراد تحديداً بالسوق على المديين المتوسط والطويل.