تنتهي سنة 2024 مع الانقلاب الجيوسياسي الضخم الذي أدى إلى ضرب المشروع التوسعي الإيراني في كل من غزة، لبنان وسوريا. ويكاد الانقلاب يبلغ كل من العراق واليمن. العراق الذي أعلنت فيه الفصائل المرتبطة بإيران عن إيقاف هجماتها ضد إسرائيل، تزامنًا مع حملة دولية كبيرة تطالب بحل الحشد الشعبي وتسليم السلاح للجيش وبالقوة الأمنية النظامية. أما اليمن فتحضير جارٍ على قدم وساق لتحطيم البنية التحتية العسكرية لجماعة الحوثي، تمهيدًا لإسقاط مدينة الحديدة على شاطئ البحر الأحمر، ثم العمل على إخراج جماعة الحوثي من العاصمة صنعاء.
هذا هو المشهد الإقليمي مع بداية 2025. سقطت كل الشعارات في بضعة أشهر، وصارت إيران شريكًا إقليميًا مرذولًا، لأنها ما عادت قادرة على اعتماد مشروع إقليمي لا يتبنى محاولة تخريب الكيانات العربية والسيطرة. من أصل أربع عواصم كانت محتلة عادت عاصمتان إلى أهلها. وبيروت إحداها على الرغم من تغلغل المشروع الإيراني بواسطة ذراعه في البلد، أي "حزب الله"، الذي انقلبت الأمور عليه رأسًا على عقب، وبات يمثل عبئًا أكبر من العبء الذي مثله لما كان يطغى على المشهد السياسي والقرار الوطني.
لكن المشكلة ليست في "حزب الله"، بل في جزء رئيسي من الطاقم الحاكم الذي لم يدرك بعد أن حان أوان الوقوف بوجه الحزب المذكور، والتمرد على سيطرته في البلاد. حان أوان القول لقيادة الحزب الجدد إن ما كان سائدًا على مدى عقدين من الزمن انتهى. انتهت الوصاية على اللبنانيين وعلى قرارهم الوطني. وانتهى زمن الترغيب والترهيب، لا بل مع زوال هوامش المناورة أمامه، انتهى زمن الإرهاب بالاغتيالات السياسية، والغزوات الأهلية، لا لأن الحزب المذكور أصابه الضعف، بل لأن الثمن سيكون غاليًا جدًا إذا ما عاد إلى سابق عهده بمحاربة حرية الخيارات الوطنية بالقتل والتفجير. ومع انتهاء هذه الحقبة يفترض أن تتحرر القوى والشخصيات السياسية من داخل البيئة الحاضنة والأهم من خارجها من عقدة الخوف والاستسلام، ومن الخلل الدائم للتواطؤ من أجل تحصيل مكاسب صغيرة وآنية لقاء تسليم مقاليد القرار في الوطن.
ما تقدم لا يعني أن النية هي بتجاوز البيئة الحاضنة، ولا يتجاوز الحزب نفسه، بل بالتعامل معه على أنه مساوٍ لجميع اللبنانيين، وليس فريقًا يتربع على عرش فوق البشر. ليس هناك "ناس" أشرف من "ناس" في لبنان، والوطنية لا تقوم على طبقية على النحو الذي كان سائدًا في الأعوام الماضية. أكثر من ذلك تفيدنا تجربة 2023-2024 أن فائض القوة في مكان لا ينطبق على كل مكان. ومن أوغلوا في ظلم الناس في لبنان وسوريا والعراق سقطوا في فخ أوهامهم واستكبارهم.
بنهاية العام نقول للبنانيين: تجرأوا واكسروا القيد نهائيًا. تجرأوا وافتحوا أبواب السجن الكبير الذي كان يحرسه "حزب الله"، وأخرجوا من الظلمة إلى رحاب النور في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع. ولعل الأهم أن تتحرروا من عبودية الأفراد لكي تتحرروا من عبودية البندقية.
- آخر تحديث :
التعليقات