عماد الدين حسين

من سينجح في معركة كسر العظم بين الولايات المتحدة والصين بشأن حرب الرسوم الجمركية التي بدأها الرئيس دونالد ترامب، وهل سوف يتمكن ترامب من إعادة المصانع المهاجرة للخارج إلى بلده مرة أخرى؟

هناك تحليلات علمية معمقة يقوم بها الخبراء والأساتذة في علم الاقتصاد والسياسة، وهناك قصص وأخبار صغيرة، وقد تبدو ساذجة لكنها تقدم إجابات ملهمة وواضحة وبسيطة لعموم القراء وخصوصاً غير المتخصصين في الاقتصاد.

من بين القصص المهمة والساخرة جداً، أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي اتصل بزوجته، وأخبرها أنه في طريقه إلى المنزل ومعه زميلان، وطلب منها طلباً محدداً، وهو أن تخرج جميع المنتجات المصنوعة في الصين، خارج المنزل، حتى لا يتم اتهامه من قبل الزميلين المقربين من إدارة ترامب بأنه لا يتفاعل بصورة كافية مع سياسة الرئيس ترامب الرامية إلى الاعتماد على المنتجات الأمريكية المصنوعة وعدم استخدام المنتجات المصنوعة في الصين.

حينما وصل عضو الكونجرس إلى المنزل ومعه الزميلان تفاجأ بأن باب المنزل قد اختفى وكذلك النوافذ، وغالبية الأجهزة والأثاث والديكورات، والسبب أنها جميعاً مصنوعة في الصين!

المثال الثاني الأكثر إيلاماً لترامب والذي يكشف عن مدى القوة الصينية، هو ما نشرته المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينج في العاشر من أبريل الجاري على صفحتها على منصة إكس، ويظهر أن قبعة شعار حملة الرئيس الأمريكي ترامب والتي تحمل عبارة «اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً» مصنوعة في الصين.

ليس ذلك فحسب، بل إن هذه القبعة كانت تباع بسعر 50 دولاراً قبل أن يقرر ترامب فرض رسوم جمركية على الصين، وبعد هذا القرار صار سعر القبعة 77 دولاراً، وكانت المتحدثة الصينية حريصة على إظهار عبارة «صنع في الصين» على القبعة التي تحمل صورة ترامب وشعار حملته!

هذان المثالان هما الأكثر دلالة على أن معركة ترامب ضد المنتجات الصينية لن تكون سهلة بل صعبة جداً وربما مستحيلة على الأقل خلال سنوات حكمه.

المؤكد أن ترامب صادق جداً في محاولة إعادة الصناعات الأمريكية إلى بلاده بدلاً من وجودها في الخارج، وخصوصاً في الصين ودول جنوب شرقي آسيا. لكن المؤكد أن مثل هذه الأمور لا تتعلق فقط بالنوايا والتمنيات، بل بدراسة واعية وفهم كامل لكل عناصر القضية حتى لا يضطر إلى التراجع والانهزام، ما يوجه ضربة كبيرة جداً لأفكاره، بل تجعل الناخب الأمريكي الذي صوت لصالحه بكثافة في الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة ينقلب عليه بصورة واضحة.

نعلم أن ترامب قرر فرض رسوم جمركية على حوالي 200 دولة بنسبة 10%، لكنه رفع هذه النسبة إلى أرقام أكبر على الدول التي لديها ميزان تجاري فائض مع أمريكا.

وكان من أهم هذه الدول الصين 34% (قبل زيادتها مجدداً) وإندونيسيا 42% وفيتنام 46% وعلى جنوب أفريقيا 30% و25% على كل من البرازيل وسنغافورة وكندا و20% على الاتحاد الأوروبي و39% على العراق و28% على تونس، واليابان 24%.

وحينما تأكد أن المواطن الأمريكي سوف يكون المتضرر الأكبر من وراء هذه القرارات تراجع فوراً، وقرر تجميد تطبيق هذه القرارات لمدة 90 يوماً. وقبلها زعم أن نحو 2 مليار دولار تدخل الخزينة الأمريكية يومياً مع تطبيق القرارات. وأن أكثر من 75 دولة تواصلت مع إدارته للتفاوض بشأن التوصل إلى اتفاقيات تجعل الميزان التجاري يتعادل أو يتعدل لصالح أمريكا. بالطبع فإن قرار تأجيل تطبيق القرارات ينسف كل دعاية ترامب وإدارته، ويكشف أنه كان متسرعاً جداً ولم يناقش القضية من كل أبعادها.

لكن ولكي لا يبدو ترامب منهزماً بصورة كاملة، فإنه قرر الرد على قرار الصين فرض رسوم جمركية على المنتجات الأمريكية بنفس النسبة وقرر مضاعفة الرسوم على السلع الصينية لتصل إلى 54%، وحينما ردت الصين مرة أخرى، قرر ترامب رفع النسبة إلى 125% على السلع الصينية.

وبعدها بدأ يتراجع خطوة خطوة حينما قرر استثناء بعض السلع الإلكترونية من الرسوم، وبالطبع فإن غالبية هذه السلع تأتي من الصين، كما أعلن قبل أيام نيته مراجعة فرض الرسوم على السيارات المستوردة، بعد أن اشتكى المستهلكون الأمريكيون.

حتى هذه اللحظة، فإن الحرب العالمية التجارية التي أشعلها ترامب لم تنتهِ. صحيح أنه تراجع إلى حد كبير، لكن أمامنا محطات كثيرة ووقت أطول حتى نعرف نتيجة هذه المعركة التي قد تقرر لمن السيادة والريادة الاقتصادية في السنوات المقبلة.

وربما أن حسم «معركة الآيفون» ستكون حاسمة، والأهم المعركة الأساسية بين «اليوان» والدولار.