ما من شك أبداً في أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوق إلى الإعلان أن غزة ثامن حرب يوقفها منذ عودته إلى البيت الأبيض، على أساس ما دأب عليه من مباهاة في أنه نجح بإيقاف سبع حروب حتى الآن. لكن غزة، كما أوكرانيا تصطدمان بحسابات معقدة، وتقفان حائلاً دون وصول الرئيس الأميركي إلى أوسلو. الإثنين، أبدى ترامب صدمته للمجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي على مرحلتين في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، وذهب ضحيتها 20 شخصاً، بينهم أطقم طبية وخمسة صحافيين، لينضموا إلى أكثر من 240 صحافي قتلتهم إسرائيل منذ بداية الحرب قبل 22 شهراً. وكان الحدث المروع حافزاً كي يدعو الرئيس الأميركي إسرائيل إلى "إنهاء حرب غزة لما تسبّبه من جوع وموت"، وليحدد ما بين أسبوعين أو ثلاثة للتوصل إلى ما وصفه بـ"نهاية حاسمة". لا يعرف ما إذا كان يقصد الحسم عسكرياً من خلال العملية العسكرية الواسعة التي يستعدّ لها الجيش الإسرائيلي لاحتلال كامل مدينة غزة، أو الحسم ديبلوماسياً، عن طريق التوصل إلى اتفاق جزئي أو شامل، يفضي إلى إطلاق ما تبقى من أسرى أحياء وأموات يقدر عددهم بـ50. .وعلى رغم أن ترامب أشار إلى جهد ديبلوماسي "جدي جداً" بشأن غزة، فإن وزير الخارجية ماركو روبيو، أضفى مزيداً من الغموض إزاء حقيقة الموقف الأميركي بقوله :"نريد أن ينتهي (هذا الوضع) من دون وجود حماس". هذا ما يكرره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما يقول إنه لا يمانع في حل ديبلوماسي، بشرط أن يتضمن قبول "حماس" بحل نفسها والخروج من القطاع. وهذا شرط ترفضه الحركة بالمطلق. وهكذا، تعود الأمور إلى نقطة الصفر. ومهلة الأسبوعين أو الثلاثة لـ"الحسم" وفق ما ورد في كلام ترامب، ليست جديدة، وسبق له أن طالب نتنياهو بـ"الانتهاء بسرعة" من غزة، وأبدى ميلاً للخيار العسكري لاستعادة الأسرى، من دون إيلاء كبير اكتراث لتحذير رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال إيال زامير من إمكان تعريض حياة 20 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون على قيد الحياة للخطر، كنتيجة لتوسيع الحرب واقتحام غزة في عملية قد تستغرق ما بين ستة أشهر وسنة، أو التوقف كثيراً عند احتجاجات أقارب الأسرى. هل تدفع مجزرة مجمع ناصر الطبي ترامب إلى التحرك جدياً لوقف الحرب، مع ما ينطوي ذلك عليه من ممارسة ضغوط على نتنياهو؟ إلى الآن لا مؤشر إلى ذلك. وقبل مجزرة المجمع، التزمت إدارة ترامب الصمت إزاء تقرير صدر عن مرصد لمراقبة حالات الجوع في العالم، تحدث عن معاناة أكثر من نصف مليون فلسطيني من الجوع في مدينة غزة ومحيطها. ووفق الديبلوماسي الأميركي السابق آرون ديفيد ميلر، فإن نتنياهو يجد نفسه "في وضع مريح، لكون ترامب لن يفرض عواقب تشكل ضغطاً حقيقياً عليه". منذ انسحاب المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف من مفاوضات وقف النار الشهر الماضي، لم تبد إدارة ترامب نية للبحث في حل ديبلوماسي، حتى بعد أن تراجعت "حماس" عن مطالبتها بإدخال تعديلات على اقتراح ويتكوف، الذي ينص على اتفاق جزئي يفرج بموجبه عن عشرة أسرى إسرائيليين، على أن يبدأ البحث في وقف دائم للنار. كان بإمكان ترامب أن يطلب من نتنياهو وقفاً فورياً للنار في غزة بعد مجزرة مجمع ناصر الطبي، أو عند صدور التقرير عن الجوع، أو قبلها مع مسلسل القتل اليومي عند مراكز توزيع المساعدات الغذائية التابعة لـ"منظمة غزة الإنسانية". لكن الرئيس الأميركي لأسباب تتعلق بقاعدته الإنجيلية، يرفض الضغط على نتنياهو. لقد أمر الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان عام 1982 رئيس الوزراء الإسرائيلي عامذاك مناحيم بيغن بوقف النار الفوري في بيروت، بعدما شاهد على التلفزيون يد طفل وقد بترت بفعل الغارات الإسرائيلية. يتضح حتى الآن، أن ترامب ليس ريغان.