عبده الأسمري

وظف «العقل» في ترسيخ «المآثر» وسخر «النبل» في تأصيل «الأثر» حتى بنى صروح «السمعة» على أركان من «المعروف» ظلت ناطقة في أصداء «العرفان»

حول «الاقتصاد» إلى كيميائية عجيبة أعلت شأن «الاتزان» ورجحت كفة «الميزان» ضمن قواعد «شرعية» رسمت «خرائط» التدبير من عمق «الصرف» إلى أفق «التصرف» وفق معادلات «البحث» ومعدلات» الهدف».

ابتعد عن «الأضواء» مولياً قبلة همته شطر «الإخلاص» مكتفياً بنبراس «الصيت «الذي أشعله «شهود» الحق من تلامذته وطلابه وزملائه ومعارفه الذين أجمعوا على فضائله واجتمعوا حول مكارمه ومضوا يوثقون «الشهادات» بصوت «اليقين» في شواهد «الوفاق» ومشاهد «الأخلاق».

إنه مدير الجامعة الإسلامية الأسبق معالي الدكتور محمد علي العقلا - رحمه الله- أحد أبرز مدراء الجامعات وخبراء الاقتصاد الإسلامي.

بوجه «قصيمي» بواقع الأصول ووقع الفصول تسكنه ملامح الزهد والورع والخشية وتقاسيم ودودة مسجوعة بومضات الطيبة والمروءة.. وعينان لماحتان بنظرات التروي والإنصات ومحيا أنيق يعتمر الهندام الوطني، وتشكيل ثابت يعتمر «البياض» الذي يعكس نقاء سريرته وصفاء داخله وشخصية ذات طابع «مؤدب» وطبع مستديم من اللين واللطف والتواد والتراحم. قوامها التواضع الجم ومقامها دماثة الخلق وجميل القول ومحاسن اللفظ ونبيل التعامل ..ولغة تتواءم مع «مقام الحال» بسيطة مع العموم وأنيقة مع الوجهاء وضليعة أثناء الخطاب وعميقة حين القرار تنبع من مخزون «معرفي» يستند على مقومات «الاقتصاد» ومكنون علمي يعتمد على مقامات «السداد» وحضور زاهي مشفوع بصناعة «الفارق» في اتجاهات المعارف ومجالات المشارف بين ثنايا «التعليم العالي» ووسط عطايا «العطاء الذاتي» قضى العقلا من عمره عقود وهو يؤسس «أركان» العمل الأكاديمي المميز ويؤصل «أسس» القرار الجامعي المتميز ويملأ آفاق «الجامعات» بوقائع «الإنجاز» ويسكن أفئدة» الشاهدين» بحقائق «المواقف «أكاديمياً ومتخصصاً ورجل دولة وأنموذج خير سكن «الذاكرة المشرقة» بوقفات «الإنسان» وبصمات صاحب الشأن وترك صيته «عطراً «في سماء الاستذكار وأفعاله جبراً في آفاق الاعتبار.

في مكة المكرمة مهبط «الوحي» وعلى ثراها الطاهر وبين نسماتها الغنية بالبركات ولد العقلا عام 1378 في يوم ربيعي تجلل بفرح القدوم وتكلل بسرور المقدم وسط أسرته التي استقرت في مكة قادمة من ربوع «القصيم» وامتلأت أرجاء منزل والده «الوجيه القصيمي» بتعابير البهجة وتباشير الابتهاج وتناقل «المكيون» النبأ على أجنحة المباركة والمشاركة ضمن مجتمع «متعاضد» تشكلت أطيافه من كل أرجاء الوطن وازدانت مرحلة «الزمن» ببشرى قدوم «فارس» لأسرة «العقلا» الشهيرة بالمعارف والمشارف .

تفتحت عيناه صغيراً على والده «الشيخ علي» الشهير بأياديه البيضاء ومسيرته العصماء ووالدته الكريمة المعروفة بين قريناتها بنقاء القلب وحظوة العطاء فنشأ محفوفاً بتربية صالحة فالحة ملأت وجدانه بموجبات «التدين» وعزائم «اليقين».

ظل الطفل «النابه» الذي عرف عنه النبوغ «الباكر» والذكاء المبكر يرافق والده ماسكاً بيده إلى دروب «الصلاح» ليكون ثاوياً في «أهل الالتزام» موزعاً وقته ما بين أداء الطاعات في المسجد الحرام ومنازلة «المعرفة» في قراءة نهمه لأمهات الكتب في بيت والده ومنازل عائلته فكبر وفي قلبه معاني «المعرفة» وأمام ناظريه سبل «الثقافة».

تعتقت نفسه بأنفاس «البكور» الطاهر في جنبات «البيت العتيق» وتشربت روحه نفائس «الأجور» بين صحن الطواف والحطيم ومقام إبراهيم وظل يؤنس مساءات عائلته بأمنيات «الصغار» التي تجاوزت حد «البراءة» إلى معانقة «العلا» في أحلام أعلنها أمام والديه وظل يكتبها في مذكراته الملونة المسجوعة بتواقيع البدايات ووقائع الأمنيات.

ركض العقلا مع أقرانه بين أحياء الحجون وشعب عامر وجرول وأجياد مراقباً نداءات «الكفاح» الصادحة من حناجر الباحثين عن الرزق مرتقباً خطوات «الفلاح» في معابر اللاهثين وراء «العلم» فمضى يسكب «مداد» الذكرى ويكسب «سداد» البشرى في آمال باكرة وضعها في «حيز» التخطيط على مرأى «الدوافع».

أتم العقلاء تعليمه العام بتفوق ثم أكمل دراسته الجامعية ونال درجة البكالوريوس من كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز عام 1401هـ، ثم ماجستير في الاقتصاد الإسلامي من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية عام 1406هـ، ثم نال درجة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية عام 1409هـ.

ارتبط بالحياة العملية وعمل في بداياته على وظيفة معيد بقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عام 1401هـ ثم تعين كأستاذ مساعد بنفس القسم عام 1410 ثم تم تعيينه رئيساً لقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، من عام 1411 هـ وحتى عام1415هـ

ولأنه شغوف بالعلوم حصل على درجة أستاذ مشارك عام 1417هـ وتم تكليفه وكيلاً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية خلال الفترة من عامي 1417 و1418 ثم عُيِّنَ عميداً لعمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر لمدة عامين حتى عام 1420 ثم تم تكليفه عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية لمدة ستة أشهر بالإضافة إلى عمله عميداً لخدمة المجتمع والتعليم المستمر.

وفي عام 1419 تم تعيينه عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية لفترتين وحصل العقلا على درجة أستاذ في الاقتصاد الإسلامي عام (1421هـ).

تم تكليفه عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية لمدة ستة أشهر ثم تكليفه وكيلاً لجامعة أم القرى للدراسات العليا والبحث العلمي لمدة ثلاث سنوات بتاريخ 2-11-1423هـ).

وشغل منصب رئيس اللجنة الدائمة لتعيين المعيدين والمحاضرين ورئيس اللجنة الدائمة للابتعاث والتدريب ثم تم تجديد تكليفه وكيلاً لجامعة أم القرى للدراسات العليا والبحث العلمي لمدة ثلاث سنوات عام 1426هـ، وفي 3-3-1428 هـ صدر الأمر السامي بتعيينه مديراً للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمرتبة الممتازة.

وفي عام 1433 تم تمديد خدمته مديراً للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمرتبة الممتاز لمدة أربع سنوات.

انتقل العقلا يوم الثلاثاء 11 جُمادى الآخرة 1447هـ الموافق 2 ديسمبر 2025م إلى رحمة الله وصُلِّي عليه بالمسجد الحرام، ووري جثمانه مقبرة شهداء الحرم بالشرائع، ونعته وسائل الإعلام المختلفة، وقد عزا فيه رفقاء دربه وزملاؤه وطلابه والكثير ممن كانوا من «شهود» المشهد الحياتي الزاخر بالمناقب المجيدة والصفات الحميدة التي تمتع بها الراحل فقد كان مثالاً وقدوة حسنة وأنموذجاً للقيادي المكين والإنسان النبيل صاحب المواقف الإنسانية والوقفات الخيرية والخلق الحسن والعطاء الجزل والسخاء الخفي والفضل المشهود.

سار العقلا على دروب «ساطعة» بالحسنى في مدارات «المناصب» ومسارات «المسؤولية» ودروب «المحاسن» بنفس تقية وروح نقية خلدت «الصدى» الجميل أمام مرأى «الحقائق.

محمد علي العقلا.. وجه العلم البارز صاحب المعالي في العلم والعمل والعلا في السلوك والمسلك صاحب المسيرة الزاخرة بالنبل والفاخرة بالفضل.