رغم أنه ليست هناك سياسة واحدة متفق عليها بين دول مجلس التعاون الخليجي حيال العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فكل دولة لها رؤيتها الخاصة المبنية على مصالحها وأمنها الوطني، تعكس مخرجات قمة المنامة التي عقدت في 3 من الشهر الجاري مقاربة دقيقة في إدارة العلاقة مع إيران، تقوم على الجمع بين التمسك بقواعد السيادة من جهة، وترك نافذة التواصل مفتوحة من جهة أخرى، إيماناً من هذه الدول بأن "الجغرافيا السياسية" تحتم على الجميع أن يكون الحوار هو السبيل الأقوم لحل المشكلات، شرط أن يكون حواراً صريحاً، تناقش فيه الملفات وفق جدول زمني وأهداف محددة، تحقق مصلحة الجميع، وتضمن أمن الخليج العربي واستقراره. البيان الختامي شدد بوضوح على "ضرورة التزام إيران مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وحسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، ومعنى ذلك أن تكون هناك قطيعة تامة مع النشاطات التي كان "الحرس الثوري" يمارسها، ودعم من خلالها مجموعات مسلحة قامت بأعمال إرهابية أضرت بأمن دول الخليج. أيضاً، حمل البيان لغة حازمة في ملفات سيادية، إذ دان "استمرار احتلال إيران للجزر الثلاث" واعتبر كل ممارساتها هناك "باطلة ولاغية"، كما أكد أن "حقل الدرّة" هو "ملكية مشتركة حصرية بين السعودية والكويت"، مع رفض أي ادعاءات من أطراف أخرى. وبذلك تسعى العواصم الخليجية للتشديد على حقوقها السيادية التي تعتبرها جزءاً من أمنها الوطني والاقتصادي. رغم هذه اللغة الصريحة، دعمت دول الخليج العربي المسار الديبلوماسي. فقد أشاد البيان بجهود سلطنة عُمان في تسهيل الحوار النووي بين إيران والولايات المتحدة، مع تأكيد ضرورة أن تشمل أي تسوية "الهواجس الأمنية لدول المجلس". وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، هو الآخر في المؤتمر الصحافي، وصف إيران بأنها "دولة جارة"، مشدداً على أن "البحرين لن تكون عقبة أمام عودة العلاقات الطبيعية معها"، وهو بذلك يعطي الألوية للعلاقات الثنائية الحسنة بين الدولتين الجارتين. في الصورة الأوسع، هنالك تحديات تعوق التقدم في مسار العلاقات الخليجية – الإيرانية، فشبكات الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري" والتدخل السلبي في أكثر من دولة عربية، تمثل من منظور دول الخليج المصدر الحقيقي لانعدام الثقة. كما أن استمرار التوترات الأمنية في البحر الأحمر والخليج العربي يضع أي مسار لتنمية العلاقات إلى مستويات أرفع، تحت اختبار أمني دائم. ما سبق لا يعني عدم وجود نقاط التقاء يمكن البناء عليها، وتتمثل في إدراك متبادل لأخطار الانفجار الإقليمي، والحاجة المشتركة إلى استقرار أسواق الطاقة، وأمن الممرات البحرية، وتخفيف تكلفة الصراعات المفتوحة. التطور المستقبلي للعلاقة الخليجية – الإيرانية، مرهون بقدرة طهران على اتخاذ خطوة استراتيجية حاسمة، يكون التحول فيها من منطق "إدارة النفوذ عبر الأذرع" إلى منطق "الدولة الشريكة في الأمن الإقليمي" والتي تحترم القانون الدولي وتلتزمه.
- آخر تحديث :















التعليقات