من منبر المؤتمر العام الأول لحزب "القوات اللبنانية"، أطلق رئيس الحزب سمير جعجع رسائل واضحة خص بها الرؤساء الثلاثة، وحرص في مخاطبتهم على أن تكون علنية من دون أي التباس، راسماً فيها المسار السياسي الذي ستسلكه "القوات اللبنانية" في الأشهر القليلة المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية. وكان واضحاً أن الملفين اللذين يشكلان محوري هذا المسار لم يتغيّرا: سلاح "حزب الله" وسيادة الدولة وحصرية سلاحها، والاستحقاق الانتخابي انطلاقاً من القانون الذي ستتم على أساسه. ربما اختلفت وتيرة النبرة العالية التي انتهجها جعجع في مخاطبته الرؤساء بين رئيسي الجمهورية جوزف عون والحكومة نواف سلام وبين رئيس المجلس نبيه بري، حيث بدا واضحاً أن جعجع أراد أن يضع النقاط على الحروف في شأن علاقته بكل واحد منهم، انطلاقاً من حسابات واعتبارات حكمت تلك العلاقة، لا سيما مع رئيس الجمهورية ورئيس المجلس. لن تبلغ العلاقة حد المقاطعة أو الخصومة، ولكنها حتماً انطلقت من مرحلة المسايرة والتفهّم إلى مرحلة المحاسبة، وذلك بعدما بدأ جعجع يشعر بأن الوقت بدأ يصبح ضاغطاً. فعلى المستوى الحكومي، مضى على تشكيل الحكومة ١١ شهراً، ولم يعد أمامها الكثير من الوقت للإنجاز قبل أيار المقبل، موعد الانتخابات النيابية. وهذا الموضوع يشكل مصدر اهتمام لدى رئيس القوات الذي يعوّل كثيراً على نجاح وزرائه في الحكومة على تقديم نموذج منتج وناجح. ولكن ليس هذا هو الموضوع الذي يقلق جعجع، بل أمران يواكبهما عن كثب، وهما في سباق حادّ مع الوقت، الأول يتصل بنزع سلاح الحزب، والمهلة الأميركية لتحقيق ذلك تنتهي بنهاية السنة الجارية، ومطلوب من الحلفاء أن يرفعوا مستوى الضغط الداخلي على الرئاسة والحكومة من أجل دفعهما إلى إنجاز الأمر. رسالة جعجع تأتي في هذا السياق. أما مع رئيس المجلس فالوضع يختلف. يقف قانون الانتخاب بينهما. وما ردّ المعاون السياسي لرئيس المجلس علي حسن خليل على رسالة جعجع المفتوحة إلا تقليل من أهميتها ومضمونها. فبري ليس في وارد تغيير موقفه بعد. وبناءً على ذلك، لن يلبّي رغبات حزب القوات مجاناً ومن دون تسوية تراعي التمثيل الكامل للثنائي. في بعبدا، لا تعليق على رسالة جعجع. ربما هو نوع من التقليل من أهميتها، ولا سيما أن أياً من المحيطين بالرئيس لا يرى مبرّراً لها اليوم، بعدما أقدم الأخير على خطوة جبارة تمثلت في إطلاق مسار التفاوض، عاكساً الالتزام الجدي باستعادة الاستقرار، ولجم التصعيد وحصر السلاح. في أوساط "القوات"، لم تخرج الرسائل بأيّ جديد باستثناء أنها اتسمت بوضوح أكبر ومباشر، أهميتها أنها خرجت من رحم المؤتمر الحزبي العام الأول للقوات، ما يضفي عليها بعداً أكبر ويمنحها درجة أعلى من الوضوح والمصارحة، وتثبيت الموقف الوطني من التحديات المطروحة. تنتظر "القوات اللبنانية" كيف سيتلقف الرؤساء تلك الرسائل في ظل تساؤل، هل سيجري التعامل معها بالجدية والمسؤولية عينهما اللتين حكمتا موقف الحكيم، أم ستدور أحاديث في الغرف المغلقة عن أن الرسائل ليست سوى وسيلة من وسائل الحملة الإعلامية لخوض الانتخابات؟ مهما تكن المقاربة الرسمية لتلك الرسائل، فهي فعلت فعلها لجهة أن كل معنيّ بها قال كلمته وعبّر عن موقفه على طريقته، من دون توقع أن يكون لذلك أيّ تردّدات على العلاقات التي ستبقى على حالها. لن تتحسّن أكيد ولكنها على الأقل لن تتراجع أو تسوء أكثر!
- آخر تحديث :
















التعليقات