أعادني الإعلان عن كتاب جديد لسمو الشيخ محمد بن راشد لم أتمكن من الاطلاع عليه بعد أكثر من 45 عاماً إلى الوراء، حين زرت دبي أواخر العام 1969 ومكثت فيها عاملاً في إذاعة "صوت الساحل" عاماً كاملاً بمعية المستشرق الكبير دنيس جونسون ديفيس المشرف على سياسة الإذاعة التي كان يديرها الإعلامي المرحوم رياض الشعيبي وكان مقرها في المعسكر البريطاني في الشارقة، وزاملنا فيها كل من أحمد المنصوري وأحمد أمين المدني، ورغم أن عملنا كان في الشارقة فإن موقع سكننا كان في دبي وتحديداً في منطقة "الكولا" التي تحمل اليوم إسم "الكرامة" في بيوت صغيرة وبسيطة أمر المرحوم الشيخ راشد ببنائها لسكن ذوي الدخل المحدود.

لم أعتد في عمان على التلاقي مع مسؤولين كبار ولذلك ابتهجت عندما أعلمني المرحوم الشعيبي بأننا سنذهب للسلام على المرحوم الشيخ راشد في مكتبه بدائرة الجمارك، كان الدخول إلى مجلسه أسهل بملايين المرات من تصوري وكنا من ضمن مجموعة من المواطنين تدخل وتخرج ويعرض المواطن قضيته على طويل العمر الذي يجد لها حلا فوريا وهو ينادي على صانع القهوة ليقدمها لنا نحن ضيوفه من الاردن. هناك وفي ذلك المجلس استمعنا إلى جملة من الطموحات لم أتمكن من تخيل تنفيذها في الامارة التي تفتقر لثروة نفطية لكنها تمتلك في ذات شيخها عقلية أغنى من النفط وأكثر فاعلية، وهناك في ذلك المجلس تعرفنا ولو عن بعد إلى أنجال الشيخ راشد الشباب مكتوم ومحمد وأحمد، ولفت نظري آنذاك الجلسة المتحفزة للشيخ محمد الذي كان واضحا استيعابه الكامل والواعي لكل حرف ينطق به والده وتمثله بكل تصرف يصدر عنه وبدا لي لحظتها أن القدر كان يعد ذلك الشاب الطموح لادوار يستكمل بها المسيرة العطرة الخيرة لوالده الذي كان يعد مع أخيه المرحوم الشيخ زايد لاعلان دولة الامارات العربية المتحدة بالعاون مع بقية الشيوخ حكام بقية الامارات.

&في تلك الايام كان من العجائب جسر يربط بين ديره ودبي وينفتح عند مرور سفينة في المياه التي تجري تحته بينما تتوقف فوقه حركة السيارات، وقد سمعت عن تطوير للفكرة يتمثل ببناء نفق تحت المياه يسمح باستمرار عبور السيارات والسفن في آن معا، وكان عجيبا ان نسمع عن مطار تتمكن الطائرات من الإصطفاف عند مبناه ليخرج الراكب من باب الطائرة الى قاعة الاستقبال عبر انبوب يتطابق مع باب الطائرة، مؤكد أن ذلك يبدو بديهيا وعاديا ومألوفا اليوم وربما يرى المسافر عبر مطار دبي ما هو اكثر ادهاشا لكنه كان آنذاك شيئا من الخيال. اضافة الى ذلك نكتشف اليوم أن مطار دبي وفي عهد الشيخ محمد&استقبل 89,1 مليون مسافر في عام 2018، ما يعني أنه احتفظ بصدارة أكبر مطارات العالم من حيث عدد المسافرين الدوليين للسنة الخامسة على التوالي،&

فجأة نبتت في شوارع دبي "دوارت" ر ائعة التنسيق يختلف كل منها عن الآخر. وسمعنا أن المرحوم الشيخ راشد كلّف كبار التجار في الإمارة بمهمة إنشاء هذه الدوارات ليحمل كل واحد اسم من تبناه وبناه، كانت تلك فرصة دعائية للتجار أسفرت عن تجميل المدينة وتنظيم حركة المرور فيها، وكانت نتاج عبقرية فطرية امتاز بها الراحل الكبير والواضح أن نجله محمد ورثها عنه وأضاف لها العلم بكل تجلياته وإبداعاته وذلك شديد الوضوح في التقدم الهائل الذي تشهده دبي ويبهر العالم.

سكة الخيل كانت عام 1970 منطقة ليس فيها شارع معبد وتنتشر فيها "بيوت" من القش والخيش وبعض الأبنية المتواضعة وقد سمعت أنها تحولت اليوم إلى منطقة تجارية باذخة يمكن اعتبارها مثالا على طفرة التطور التي تشهدها الامارة في عهد قائدها محمد الذي يتفتق ذهنه يوميا عن فكرة جديدة خلاقة تضاف إلى ميزات دبي التي تحتل اليوم مركزها المتقدم على خارطة النجاح في عالم لم يعد يقبل بأنصاف الحلول ويؤكد دائما حاجته لقادة من طراز محمد بن راشد يسعون في كل لحظة من حياتهم لخدمة مواطنيهم وتحسين أنماط عيشهم.

احترامي وتقديري لعلمي الاردن والامارات واحد، لافرق عندي بينهما، الألوان واحدة، ولعل اختيار هذا الشكل والألوان لعلم دولة الامارات راجع إلى اختيار المرحومين زايد وراشد وما عرف عن فترة حكمهما من علاقة متميزة وعميقة واخوية وصادقة وبريئة مع الراحل الحسين الذي ظل يبادلهما نفس المشاعر الواضح أن المحمدين بن زايد وبن راشد ومعهما عبد الله الثاني قد توارثوها عن ذلك الجيل من الآباء العظام.

أخذتني ذكريات لاتُنسى عن دبي أيام زمان عن واقع يستحق أكثر من الاعجاب والاشادة ذلك أنه يكفيها إعلان الشيخ محمد بن راشد عن ثمانية أسس لادارة الامارة حيث يرى أن&الاتحاد هو الأساس وأنه لا أحد فوق القانون وأن دبي عاصمة للاقتصاد وأن للنمو محركات ثلاثة وأن لمجتمعها شخصية متفردة وأنها أرض للمواهب ولا عتمد على مصدر واحد للحياة وتفكر بالأجيال، وهو لتحقيق ذلك يحضر&جلسة عصف ذهني لقيادات حكومة الإمارة لبدء تنفيذ وثيقة الخمسين معلناً أن دبي ماضية لتعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للأعمال والاقتصاد وفقاً للأهداف التي تضمنتها وثيقة الخمسين والتي تستهدف في مجملها تسريع وتيرة التنمية واستدامة الازدهار، وأن رؤيته تتضمن الكثير من العمل والإبداع خلال الخمسين عاماً المقبلة للبناء على ما أنجزاتنا للوصول إلى مدينة متكاملة يسودها القانون وروح الرحمة والمحبة ينعم قاطنوها بالرخاء والازدهار وتخلق بيئة مواتية لأجيال المستقبل يحظون فيها بفرص لتحقيق أمانيهم وطموحاتهم، وأن ذلك يتطلب مواكبة المتغيرات التي يشهدها عالم اليوم بفكر إبداعي مبتكر يستبق تحديات المستقبل لنضمن لدبي الحفاظَ على مكتسباتها وموقعاً مؤثراً في مشهد المستقبل لتكون مركزاً للعالم، وينبعث ذلك من ما تعودته انجازات دبي من عدم الركون الى ما تحقق وانما متابعة المسيرة بحثاً عن فرص جديدة للتطوير، مسترشدين بإيماننا وعزيمتنا وإصرارنا على النجاح، مع الثقة بالقدرة على تحدي المستحيل للوصول إلى الأهداف المنشودة، وعلى أساس أن مبادئ دبي الثمانية ووثيقة الخمسين اللتان أطلقناهما تمثلان ضمانة لنا للاستمرار بنفس السرعة وبنفس التجدد وبنفس الروح التي يعرفها العالم عن دبي والإمارات، ولان كل ذلك نابع من حبه لشعبه.

لاينفرد محمد بن راشد بالحكم وانما يشرك معه من يثق بقدراتهم على تنفيذ رؤاه وهاهو الشيخ أحمد يؤكد أن دبي تتفرد بإيقاعها المتسارع في التطور والتنمية واستشراف المستقبل وتتطلب مواكبة طبيعتها إلى الإبداع والابتكار والتميز وتضافر كل الجهود لتحقيق الأهداف المطلوبة وتحدد وثيقة الخمسين الأهداف الكبرى التي نسعى لإنجازها هذا العام، والتي تفرض واقعاً جديداً للوصول إلى الهدف الأسمى الذي يطمح إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وبما يتطلب أفكاراً مبتكرة وجهوداً مثابرة لتطبيق المبادرات التي نصت عليها الوثيقة.

لاتقتصر انجازات محمد بن راشد على امارة دبي فقد&دعمت مؤسسة تحمل اسمه متخصصة بالأعمال الخيرية والإنسانية لأهداف التنمية المستدامة، مستهدفة القضاء على الفقر بكافة أشكاله في كل مكان والقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتوفير التغذية الكافية وتشجيع الزراعة المستدامة وضمان&توفير&حياة&صحية ودعم رفاهية الجميع في كافة الأعمار وتوفير فرص عادلة لتعليم يتميّز بجودة شاملة، وإتاحة فرص التعلّم المستمر مدى الحياة للجميع وضمان توفر المياه ومرافق الصرف الصحي للجميع وإدارتها بأسلوب يدعم الاستدامة.