بعد يأس واشنطن وبغداد من جذب العرب للعراق
حضور تركي بارز في بغداد للحد من نفوذ إيران

عبد الرحمن الماجدي من أمستردام:
ظهر رجل الدين الشاب مقتدى الصدر فجأة في تركيا بعد فترة من الغياب والتكتم على مكان تواجده من قبل مساعديه. حيث أعلن عن مغادرته بالطائرة من إيران ليلة الجمعة الماضية بدعوة رسمية من الحكومة التركية التي استقبلته بحفاوة مع جمع كبير من معاونيه وصل بالتزامن معه الى تركيا من بغداد بينهم أعضاء برلمان، وسط توقعات عراقية بعودته لمدينة النجف بعد أكثر من عام من إقامته في مدينة قم الإيرانية التي تعددت أسباب وجوده فيها بين دراسة العلوم الدينية حينًا والإقامة الجبرية حينًا آخر.

وتزامنت زيارة الصدر لتركيا مع انتخاب محافظ جديد لمحافظة النجف المقدسة شيعيًا وهي مقر الصدر التي يتوقع عودته إليها قريبًا. حيث لم تجد نفعًا كل تجاذبات الأحزاب الدينية للفوز بمنصب المحافظ فيها بعد سنوات من تمسك المجلس الأعلى العراقي به، فتم انتخاب محافظها السابق العلماني عدنان الزرفي الذي يعتبر الوحيد الذي تصدى للصدر عام 2004 في أوج قوة تيار الصدر وجيش المهدي حين خاص معركتين مع الجيش العراقي والأميركي أبأن فترة رئيس الوزراء العراقي السابق أياد علاوي.
وقد اعلنت وكالة أنباء الأناضول التركية يوم أمس السبت أن الصدر اجتمع في اسطنبول مع 70 ممثلاً عن الطائفة الشيعية في العراق لبحث أوضاع البلاد ومستقبلها. حيث اجتمع مع عدد من المسؤولين الأتراك؛ وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تطرقت إلى قضية الأمن في العراق والنهوض بالعلاقات بين البلدين.

ويرى متابعون عراقيون أن الاستعانة بتركيا تاتي بعد سنوات من إغراءات قدمتها واشنطن وبغداد لدول عربية مجاورة للعراق للحد من النفوذ الإيراني المتعاظم فيه كان آخرها مشاريع كبرى للاستثمار لم تتقدم أي دولة عربية للمنافسة فيها فرست على شركات تركية وإيرانية الأمر الذي فتح الباب واسعاً للجار الشمالي ليدخل بقوة، مستفيداً من إرث إستعماري قديم أبأن الدولة العثمانية التي كانت تنافس الدولة الفارسية في العراق.
وروى مواطنون عراقيون لإيلاف مشاهداتهم للظهور اللافت للأتراك في بغداد خاصة، حيث تجول سيارات الدبلوماسيين الاتراك بحرية في أحياء بغداد وسط ترحيب شعبي عراقي مع بدء مشاريع عمرانية في العاصمة العراقية والمحافظات تقوم بها شركات تركية.

ووفقاً لمصدر عراقي قريب من الصدر في مدينة قم الإيرانية تحدث لإيلاف عبر الهاتف فإن زيارة الصدر لتركياً جاءت بمباركة إيرانية وبضوء أخضر أميركي الذي يتواصل مع طهران في حوار حول العراق خاصة. وحول الإحتفاء التركي العالي المستوى بالصدر أعاد المصدر العراقي ذلك إلى مواقف الصدر من الفيدرالية وقضية محافظة كركوك التي تضم عدداً كبيراً التركمان معظمهم من أتباع التيار الصدري، إضافة لقرب توجهات الصدر من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي قد يتحالف مع في الانتخابات التشريعية القادمة في العراق مطلع القادم.

كما تزامنت زيارة الصدر مع قصف إيراني متواصل لقرى حدودية في إقليم كردستان العراق لمطاردة انفصاليين أكراد. ووفق المصدر فإن مصالح تركيا وإيران تتفق في الحد من النفوذ الكردي في العراق الذي قد يمتد لدولتيهما.
ثقل مؤقت
من جانب آخر فسر السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي زيارة الصدر لتركيا كورقة تسعى واشنطن من خلال أنقرة لاستثمارها في المستقبل القريب لدعم الهدوء في العراق. ورأى الصميدعي في حديثه لإيلاف أن ورقة الصدر لم تعد حاسمة كما كانت قبل عامين خاصة بعد حل جيش المهدي قبل نحو عام. فبات حضوره رمزياً ويحتفظ بقوة سياسية في بعض المحافظات العراقية من خلال ائتلافه مع قائمة دولة القانون التابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي حيث فاز أتباعه بأكثر من منصب نائب محافظ في وقت كانوا يأملون منصبين كمحافظ. مشيراً لتوافق مصالح إيران وتركيا في العراق وإن بدا حداً من النفوذ الإيراني في العراق فايران ترى في منافسها الجديد في العراق أهون من العرب الذين نجحت في إبعادهم عنه وساعدها ترددهم في مجابهتها سياسياً فيه.
وبين الصميدعي أن استثمار ورقة الصدر سيكون حتى الانتخابات القادمة التي ستكون اختباراً لجميع القوى الساياسية في العراق، فان حقق فوزا كبيراً ستواصل دعمه ودعم مساعديه وان تراجعت حظوظهم فيها فكل الاحتمالات مفتوحه تجاههم.
غير أن قيادي في تنظيم كتائب عصائب أهل الحق المنشق عن جيش المهدي منذ عام 2004 طلب عدم ذكر اسمه وجد في زيارة الصدر لتركيا تقاربا بينه وبين الجانب الأميركي بتوسط تركي. لكنه بين لايلاف أن الصدر بات بلا ثقل عسكري كما كان قبل ثلاثة أعوام بعد تفرق أتباعه من تجميد جيش المهدي وانتمائهم لحزب الله تنظيم العراق أو كتائب أهل الحق.
إطفائي بلا مياه
وقريب من ذلك شبه متابعون عراقيون الصدر كإطفائي بلا مياه تتم الاستعانة به لإطفاء حريق قد يعود للاشتعال في العراق من خلال هجمات السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة التي استهدفت أحياء ومزارات ومساجد شيعية في بغداد والمحافظات، وسط خشية من عودة العنف الطائفي الذي كان أحد جانبيه جيش المهدي بعيد تفجير قبة الامامين علي الهادي والحسن العسكري في شباط 2006. ولسحب فتيل الانتقام الذي يسعى له القائمون بهذا التفجيرات اليوم من أجل جر مسلحين من الشيعة للانتقام باستهداف أحياء سنية تمت الاستعانة بمقتدى الصدر لايقاف هذا الفيتل القابل للاشتعال سريعاً. غير أن الخوف لم يعد من جيش المهدي الذي لم يعد قائما ً بشكل عملين بل من المجاميع الخاصة التي يعتقد أنها مدعومة من إيران أو من مسلحين غير منتظمين بأحزاب وهم يشكلون الخطر الأكبر، وكان بعضهم من أتباع الصدر الذي لو كان بنفس الثقل العسكري والشعبي السابق لكان ظهر كإطفائي حقيقي يمكن الوثوق بقدرته على إطفاء الحرائق في العراق.
ولم يعلن الأكراد عن رد فعلهم تجاه زيارة الصدر لتركيا التي يتحفظون تجاه كل من يقترب منها وهم المثخنون بأحمال وجود أبناء قوميتهم من انفصالي دول الجوار الساعين لتأسيس كردستان الكبرى التي يقطن معظم سكانها في الأراضي التركية. ويشنون حملات عسكرية بين فترة وأخرى ضدها لترد تركيا بقصف مدفعي وسياسي ضد قادة إقليم كردستان العراق لعل الاحتفاء بدعوة ولقاء الصدر من تجليات هذا القصف.