خسرو علي أكبر: يتوزع أكثر من ثمانين الف عراقي فارسي في مناف عديدة من العالم بعد أن تعرض أبناء هذه القومية التي تفتخر بانتمائها للعراق لإبادة عرقية لم تأخذ حجمها الطبيعي في الاعلام العربي عموما والعراقي تحديدا، فقد تم نفيهم من العراق في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين وتم سلب أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم ورميهم على الحدود العراقية الايرانية من بعد حجز أبنائهم واعدامهم لاحقا،وكل ذلك بسبب إنحدارهم من أصول فارسية.
ومازال العديد منهم يعاني من ظروف صحية واقتصادية صعبة للغاية في المخيماتالايرانية، ولم تشهد أوضاعهم الصعبة تغيرا نحو الأحسن رغم نداءاتهم المتكررة لمنظمات حقوق الإنسان وللجهات الحكومية العراقية.
خيرية علي أمين، ربة بيت (50 عاما) تقيم في هولندا تشرح جانبا من معاناة هذه الأقليةة:quot;لقد تم تهجيرنا من وطننا العراق بتهمة لم نكن نعرف بها إلا في لحظة التهجير وهي أصولنا الفارسية،حينما إلتقيت بوالدي في ايران وهو من كبار التجار البغداديين من بعد فراق دام أكثر من شهرين إستفسرت منه إن كنا ننحدر حقا من أصول فارسية، وقد رد بالإيجاب، لكنه أضاف لي أن ذلك يعود الى أكثر من قرنين، ولم ير في الأمر أهمية تذكر، لذا لم يطلعنا على هذا الأمر. ثلاثة من
أشقائي كانوا في معسكرات الجيش لأداء الخدمة العسكرية تم إعتقالهم وإعدامهم بسبب أصولهم الفارسية.ومن المحزن أن إحدى المواقع الألكترونية ذكرتهم من ضمن قوائم شهداء الكورد الفيليين. أعيش في هولندا منذ ستة أعوام، وقد حصلت على شهادة الجنسية الهولندية،مع ذلك لايمكنني أن أفارق ذكرياتي وحبي للعراق quot;
.يتساءل أياد القزاز (تاجر عراقي مهجّر ويقيم حاليا في إصفهان )عن الأسباب التي دفعت النظام الديكتاتوري البائد لإرتكاب هذه الجريمة البشعة:
الأوراق الرسمية التي نمتلكها بما فيها الوثائق المتعلقة بالأراضي والبيوت التي نمتلكها والتي يطلق عليها العراقيون quot;الطابوquot; يعود تاريخها الى ثلاثة قرون مضت ومازلت أحتفظ بنسخة منها باسم بيت القزّاز في منطقة القاطنة بالكاظمية، مع ذلك تم مصادرة ممتلكاتنا وتهجيرنا الى ايران وقد تم إعدام أربعة من أخواني، ولم يشملني حكم الإعدام لأنني كنت آنذاك دون السن القانونية.وأنا أعتقد أن الحكومة العراقية متقاعسة في إعادة ممتلكاتنا ولم تنجز خطوات مهمة في هذا الصددquot;.


العودة المؤلمة
بعد سقوط النظام الديكتاتوري عاد بعض المهجرين الى العراق، لكنهم واجهوا مشاكل عديدة دفعتهم الى العودة مجددا الى المهجر الايراني، وفي مقدمة هذه المشاكل فقدانهم لبيوتهم ومتاجرهم التي سكنها مواطنون آخرون،إنتقلت اليهم ملكيتها من خلال شراءها من الحكومة العراقية في العهد الديكتاتوري، يقول كاظم حسين شالجيان:quot;لقد هددني الشخص الذي يقيم في بيتي بالقتل إن ترددت على الحارة، وقد ذكر لي الجيران أنه حصل على البيت كمكافأة من الحزب البعثي المقبور، وقد رفعت عدة شكاو للحكومة العراقية الحالية ولوزيرة الهجرة والمهجرين، وتلقيت ردودا تدعوني أن أنتظر قرارات ستصدر في هذا الشأنquot;.


وقد رأى بعض الصحفيين العراقيين أن هناك تغييب مقصود وإهمال متعمّد لهذه المأساةمن قبل الحكومة العراقية بالرغم من أن الكثير من رجال الحكم في العراق عايشوا المأساة التي تعرضت لها العوائل العراقية في المهجر الايراني لكنهم لم ينجزواخطوات عملية في هذا الصدد،ويمكن تلخيص 99 في المائة من نشاطات وزيرة الهجرة والمهجرين سهيلة عبد جعفر بعقد لاجتماعات الادارية واللقاءات وعقد الندوات والطلب من العراقيين الذين يعيشون أسوأ الظروف في المخيمات أن ينتظروا سنوات أخرى فما الضير إذا ما أنتظروا 3 أو أربعة سنوات أخرىن إذ أن المنطق من منظور السيدة يثبت أن باستطاعة من تحمل الظروف القاسية لمايزيد عن عشرين عاما أن يتحمل سنوات أخرى.
زهراء حسين علي طالبة جامعية عراقية في طهران تعترض على منطق الوزيرة العراقية:quot;تابعت نشاط وزيرتنا المحترمة ورأيت أن جانبا كبيرا منه يتلخّص بالطلب من دول العالم أن لاتتسرّع في إعادة المهاجرين واللاجئين،فماهي الخطوات العملية التي أنجزتها الحكومة العراقية لأنهاء مأساتنا؟،شخصيا أعرف أكثر من عشرين عائلة عراقية هجرت الي ايران بسبب أصولها الفارسية، ولاتوجد عائلة واحدة من هذه العوائل إستطاعت أن تسترد منزلها على الأقل عن طريق القانون أو المحاكم، المهزلة الكبرى التي شهدنا فصولا منها هو النقاش والسجال الذي دار حول ذكر القومية الفارسية كواحدة من القوميات المكوّنة لنسيج العراق،ولم يفكر أحد منهم بإعادة مساكنهم وبيوتهم لهم على الأقل!كيف يمكنني أن أشعر بالإنتماء لوطن تعجز حكومته أن تعيد لي حقوقي الطبيعية التي سلبها مني النظام الديكتاتوري المقبور؟quot;.


إنتصار غلام علي، تذكر جانبا من عمليات التهجير القسري:quot;عام 1981 داهمت بيتنا سيارة لاندكروز وطلب منا رجال الأمن أن نرافقهم من أجل تحقيق في مركز الشرطة لن يستغرق أكثر من عشرين دقيقة، وأشترطوا حضور جميع أفراد العائلة،لكنهم نقلونا الى سجن قريب من الكلية العسكرية ببغداد وتم أحتجازنا في صالة صغيرة مع أكثر من 2500 معتقل،وكان الحراس يزودزننا بحساء من قشور البطاطا ويتعمدون وضع الحشرات فيه أحيانا، وبعد أشهر من الحبس تم تهجيرنا الى ايران،حيث رمينا على حدود ملغومة وتعرضنا للقصف من قبل القوات العراقية، وقد تعرضنا للسلب من قبل الجحوشquot;مرتزقة صدامquot; وخطفوا ثلاث من الفتيات من ضمنهم إبنتي شيماءquot;.

الصحفي العراقي محمود المفرجي كتب أكثر من مقال تطرق فيه الى المفارقات التي تشتمل عليها هذه المأساة الكبيرةquot; والمضحك المبكي أن هذه العوائل كانت تمني النفس بعد سقوط سقوط طاغوت العراق الذي سلب منهم حتى جنسيتهم العراقية، بالتفات الحكومة الجديدة برفع الحيف والظلم عنهم أو النهوض بواقعهم المعيشي على أقل تقدير.
الا أن أمنياتهم هذه ذهبت أدراج الرياح، وتاهت في فضاء الصراع المحتدم بين القادة السياسيين العراقيين على مقاليد الحكم، وغض النظر المتعمد منهم عن هذه القضية الانسانية،...وغض النظر هذا لم يشمل التقصير في المساعدات فحسب، بل ان هذا التقصير قد سلب منهم حتى روح المواطنة البسيطة التي هي من المفروض ان تكون من أبسط بديهيات الحقوق المبذولة مسبقا، فالحكومة لم تمنحهم الجنسية العراقية، ولا الحكومة الايرانية منحتهم اياها، وهكذا أصبحوا من المنسيين ولا وجود لهم في هذا العالم، لا من معين ولا من مساعد ولا حتى من مجامل يستطيع ان يخفف من معاناتهم بالكلمة الطيبة.
ان هذه الفترة الطويلة من الاعوام التي عاشتها هذه العوائل بقيت خافية عن االأنظار لعدم تحرك الجهات ذات العلاقة لتنظر في مشاكلهم حتى بعد زوال السبب المباشر (النظام السابق) من الوجود. بل ان الحكومة الديمقراطية الحالية زادت من محنتهم بتعتيم المسألة اعلاميا او قل نسيانهم وغض النظر عنهم، مع العلم أناغلب هؤلاء الساسة كانوا يعيشون في ايران وملمين بكل المعلومات التي كانت تصدر من هذا المعسكر الشبيه بـ (نكرة سلمان) سيء الصيت في العراقquot;.
الصحفي حيدر هادي،تم تهجيره مع عائلته الى ايران عام 1980 ويرى أن إحدى الأسباب التي حالت دون أن يسترد العراقيون الفرس حقوقهم بل حتى تسليط الضوء على قضيتهم،تعود الى الخطاب القومي لبعض المؤسسات والجمعيات التابعة للكورد الفيليين إذ حصرتهذا الخطاب مأساة التهجير القصري بالكورد الفيليين وبعض العوائل العربية، ولابد أن يكفوا عن هذا النفي المقصود والتغييب المتعمّدلأناس شاركوهم موقع الضحية،ويضيف حيدر:quot;من المؤسف أنهم يصرون على عدم الاعتراف بقومية عراقية فارسية تعرضت لكارثة بشعة ووحشية،لذا نراهم قد غيروا في بياناتهم وقوائمهم هوية شهداء العراقيين الفرس وأعتبروهم أكراد فيليين.ولا أعرف لماذا تم اغفال هذه الجريمة الكبرى وتم التركيزفقط على شهداء حلبجة؟علما أن تعداد ضحايا عملية التهجير القسري تفوق عدد شهداء حلبجة بثمانية أضعاف على أقل التخمينات.

واذا شهد الإعلام العراقي في السنوات الثلاث الأخيرة،إهتماما بمعاناة هذه الأقلية التي تفتخر بانتمائها الحقيقي للعراق، فإن ذلك لايخفي حقيقة مهمة يتطرق إليها الشاعر العراقي حميد حداد فهو يعتقد أن السبب الرئيسي الذي شجّع النظام البائد في الاستمرار في جرائمه العرقية البشعة هو صمت الأحزاب السياسية المعارضة عن هذه الجرائم باستثناء حزب محظور آنذاك، وصمت المثقفين العراقيين الذين أغفلوا هذه الجريمة البشعة.ويرى حميد أن عمليات التهجير شملت عراقيين من أصول هندية وباكستانية تم تهجيرهم الى ايران،كان من ضمنهم جارهم حسين الهندي وعائلته في كربلاء:quot;كان يبكي ويصرخ ماذا سأفعل في ايران لا أعرف أحدا هناك.وكان السبب في تهجيره هو العداء الطائفي المقيت لتلك العصابة السافلة التي حكمت العراقquot;. وعلى خلاف أغلب الأحزاب السياسية المعارضة التي
تقاعست في الإشارة الى هذه الجريمة الكبرى،شهد المهجر الأوربي بروز مؤسسات ولجان حقوقية أخذت على عاتقها إطلاع الرأي الام العالمي بتفاصيل هذه الجريمة البشعة،وفي مقدمتها لجنة اطلاق سراح الرهائن والمحتجزين في العراق التي يشرف عليها الدكتور كمال قيتولي،
وقد رفع مذكرة الى المحكمة العراقية الخاصة لجرائم الحرب ولمحاكمة صدام حسين واركان نظامه البعثي السابق في العراق ضد رموز النظام الديكتاتوري وفي مقدمتهم الديكتاتور صدام وبرزان التكريتي على قضية التسفيرات اللاقانونية لعشرات آلالاف من الاكراد الفيلية والعراقيين من أصول فارسية الى ايران خلال الفترة 4 نيسان 1980 الى 9 أيار 1990.
2- حجز شبابهم في العراق دون قرار قضائي او حكم أو تهمة جنائية.
3- اختفاء الالاف منهم وبدون أثر وعدم معرفة مصيرهم لحد الان.
4- حجز اموالهم المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها دون وجه حق ودون قرار قضائي.

الشاعر والصحفي صلاح حسن يشير الى دور هذه الأقلية في الحياة الثقافية والسياسية، ويرى أنها قدمت أعلام في الفكر والثقافة والأدب quot;يكفي أن نذكر منهم الجواهري وعزيز علي،لقد شاهدتُ شخصيا عملية تهجير جيراننا في مدينة الحلة ولا يمكن لعاقل أن يشكك في إنتمائهم للعراق وكانوا يتكلمون العربية باللهجة العراقية ومنصهرين في الثقافة العراقية ولم تكن لديهم نزعة إنعزالية عن بقية المواطنين العراقيين،كل عاداتهم وتقاليدهم تجعلك لاتشك للحظة واحدة بصدق حبهم واعتزازهم بالعراق و من سخف الفكر القومي أنه إتهمهم بالطابور الخامس.الفكر الوحدوي الشوفيني لم يطق التنوع الثقافي في العراق،ونأمل من الحكومة العراقية أن تعيد لهذ الأقلية المضطهدة حقوقهم، خصوصا وأنهم سيكونون مؤثرين في الحوار بين الثقافات بسبب معرفتهم بتفاصيل الثقافة الفارسية في ايران وأفغانستانquot;
ويصوغ الطالب الجامعي ياسر جواد التبريزي سؤاله على النحو التالي:quot;إذا إتفقنا مع مؤلف كتاب quot;الذات الجريحة quot;أن النخب العراقية والعربية المتعثمنة قد شرعت في عملية تفريس
العراق في بدايات القرن التاسع عشر،على حساب السكان الأصليين،فما السبب الذي يدفعه لعدم الاعتراف بأقلية عراقية فارسية وهل كان من الصعب فهم معادلة بسيطة ترى في ماني مثلا شخصية عراقية من أصول فارسية؟.

[email protected]