بين روايات الشهود والجهات الرسمية في لبنان
خروقات واستغلال:معونات النازحين ... للبيع
نسرين عزالدين من بيروت: المسار الطبيعي للأمور: تصل المعونات الى لبنان فتوزعها الهيئة العليا للإغاثة على المخاتير والجهات الرسمية المعنية بالموضوع فيصار الى توزيعها على النازحين. المسار غير الطبيعي: تصل المعونات فتوزعها الهيئة العليا للاغاثة الى المخاتير او الجهات الرسمية المعنية فيصار الى توزيع قسم منها وبيع قسم اخر الى النازجين. لم تعد مسألة شاهد أو شاهدين أو حتى ثلاثة، بل باتت قضية شهود عدة. خروقات، لا مراعاة، طمع، أيّا يكن، فهي وببساطة استغلال لا محدود لمأساة من هجروا وباتوا بلا مأوئ. يؤكد شاهد عيان لـإيلاف انه في السادس من أغسطس (آب) الجاري رأى وبأم العين عملية بيع للمعونات في منطقة نهر إبراهيم. شاهد أخر يتحدث عن عمليات بيع لحصص غذائية في منطقة عالية(جبل لبنان). ![]()
نازحون في احدى المدارس اللبنانية
quot;إنها مسألة حقد سياسي أكثر مما هي عمليات استغلال ونصبquot; تقول نايلة، الناشطة في العمل الاجتماعي في قرى عالية والتي روت ما خبرته خلال عملها مع النازحين هناك. تتحدث عن سلسلة لعمليات البيع. فإما تقوم البلدية ببيع العينات أو توكل أشخاصا للقيام بذلك quot;الجردات التي يتم تحضيرها تبعا لاعداد النازحين لا تتوازن مع المعونات الموزعة. أي يقدم أحدهم جردة بمئة شخص، ولا يصل منها إلا 40 أو 30 حصة غذائيةquot;.
ولدى سؤالها عن إمكانية تقديم شكوى تشير إلى دعوة وجهت لهم للاجتماع مع وزيرة الشؤون الاجتماعية نائلة معوض ولم يسمح لهم بالكلام أو تقديم أي شكوى أو حتى عرض المشكلات في الوقت الذي تحدث في ذلك الاجتماع عدد من الجمعيات والأحزاب التي وصفت الوضع بـquot;المثاليquot; على حد قولها.
وفي محاولة للاستفسار حول هذه الشكاوى حاولت إيلاف الاتصال برئيس بلدية عالية لكنه تبين انه خارج لبنان.
وفي قرية شارون في منطقة الجبل تشير الإحصاءات إلى تواجد 1091 نازح، وأما المتواجدين في المدرسة الرسمية فيبلغ عددهم 86 نازحا فقط ما يطرح السؤال حول العدد الباقي! هل هم أشخاصا وهميين أدرجت أسماؤهم في اللوائح، أم أنهم مشردون في الشوارع. الاحتمال الثاني من السهل تكذيبه من خلال جولة في شوارع تلك المنطقة، ما يطرح احتمال ثالثا حول إمكانية تواجد الـ1006 نازح المتبقين وفق الجردة في منازل تلك القرية.
تركيبية بنائية وسكانية وسياسية لا تجعل ذلك الاحتمال وارداً لأكثر من لحظات.
يؤكد أحد النازحين الذين اشتروا إحدى الحصص الغذائية التي كان من المفترض أن توزع عليه مجانا بـ20 ألف ليرة للحصة الغذائية الواحدة .quot;لمن اقدم شكوى، رئيس البلدية مسافر والبقية تابعة لأحزاب لا تؤيد حزب الله ولا تستمع لي أصلا. ولن أعرض نفسي للذل أكثر مما يحاولون هم. سأشتري ما استطيع... وعلى اللهquot;.
نازحة في منطقة بيروت تروي عن معاناة أقل، فهي وكما تقول عانت بداية الأمر، لكن حزب الله عاد وتدخل فكان يوزع عليهم وجبات quot;طعام منزلي، لعلهم كلفوا أحدهم بطبخه لنا، وأول من أمس وزعوا على العائلات مبالغ من المال، كي نتمكن من الحصول على ما نحتاجه أو كي نستطيع التنقل إن أردناquot;.
بإختصار إذا، تصل شاحنات المعونات فتوضع في مستودعات ومن هناك ترسل إلى النازحين، ومن هناك ترسل إلى وجهتين على ما يبدو، إحداها للنازحين والأخرى للمتحمسين للبيع. هذا وقف رواية الشهود فماذا عن الجهات الرسمية المعنية.
| نازحون في صيدا |
يؤكد نزار رمال منسق حملة الاغاثة لـ إيلاف الخروقات وقلة التنظيم المقصودة وغير المقصودة في العمل الإغاثي. فرمال هو المسؤول عن تنسيق عمل وجهود المنظمات الاجتماعية والإغاثية غير الرسمية، وعليه يقول quot;نحن لا نستلم أي من المعونات من الهيئة العليا للإغاثة، وهي غير ملزمة بتسليمنا أي منها في كل الأحوال. وما نقوم بتوزيعه هو هبات من الناس وبعض المعونات من الدول التي تقوم بتسليمنا معوناتها أو بعضا منهاquot;.
يتركز عمله في منطقة بيروت وهو يؤكد أن حجم المعونات التي يتم توزعيها من قبل الهيئات الرسمية لا يغطي 30% من حاجات النازحين في الوقت الذي تصل أطنان من المساعدات ناهيك عن المساعدات المالية التي تقدر بالمليارات.
تحقق الجمعيات غير الرسمية بحالة تسمم أصابت النازحين في مدرسة رمل الظريف بعد أن تم توزيع معونات منتهية الصلاحية ما أدى إلى حالات تسمم وغثيان.
quot;لا نستطيع أن نقوم بأكثر مما نقوم به حاليا. هناك قرار بمنعنا من تقويم الوضع ونحن لا نستطيع تقويمه كل ما نستطيع القيام به هو منعه من التفاقم، أما إعادته إلى الشكل الذي كان من المفترض أن يكون عليه فصعب جداً. نحن نراقب الوضع والحل الوحيد المتوفر لدينا هو الحد من الضررquot;.
يتساءل رمال عن السبب الذي يمنع الجهات الرسمية ورغم كل المعونات والأموال من تغطية احتياجات النازحين كاملة quot;لا أعلم إن كان الأفراد المكلفين بالتوزيع لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة لكن هناك خلل ما، خلل كبيرquot;.
وعن القاطنين في الحدائق العامة، يشير رمال إلى أن المتواجدين هناك لا يريدون الرحيل إلى أماكن أخرى وأن المتضررين أنفسهم من عمليات التقصير وبيع المعونات يمكنهم تقديم شكاوى quot;أما نحن فلا نستطيع ولا صلاحية لنا لتقديم أية شكوىquot;.
يبدى أسفاً كبيراً على أسلوب التعاطي مع النازحيين... أسف يحاول التقليل من أثره من خلال العمل على الحد من الأضرار قد المستطاع.
الهيئة العليا للإغاثة
من جهته يقول علي المولى مندوب وزراة الخارجية للهيئة العليا للإغاثة إن العمل ومنذ بدء حركة النزوح لا يهدأ، فمهته تقتضي القيام بجردات حول احتياجات النازجين وبالتالي القيام بطلبها من الخارج او الداخل ان توافرت. يستبعد المولى من جهته حدوث خروقات وبيع للمعونات وإن كان يؤكد أنه وفي حال تم إثبات ذلك الأمر فإن الهيئة ستقوم بمحاسبتهم.
ولعل الجدير بالذكر هنا أن شخصين من وزارة الصحة تم توقيفهما بسبب تورطهما بعملية بيع للمعونات.
أما محمد المملوك منسق عملية توزيع الهبات فيشير إلى عدم قدرة الهيئة على معرفة ما إذا كان يتم بيع ما يتم توزيعه أم لا، فالهيئة تقوم بإرسال الكمية المحددة إلى المستودعات ومن هناك ووفق طلبات المعونة وتعداد المدارس والحاجات المطلوبة يتم توزيعها على المخاتير أو القائماقام بالتعاون مع الجيش اللبناني.
يوقع الشخص المستلم على طلب الاستلام ويوقع الشخص الذي سيوزعها على المدارس على طلب الاستلام وماذا يحدث بعد ذلك لا سبيل لنا إلى معرفته لأنه أمر منوط بالأشخاص المعنين ويأخلاقياتهم.
وعلى الرغم من الحديث عن خروقات كبيرة وعمليات بيع يرويها شهود عيان ونازحين، يستبعد المملوك حدوث خروقات بهذه الجدية لكنه يشير إلى استغلال بعض الأحزاب لهذا الأمر فتقوم بإزالت إشارة الهيئة العليا للإغاثة عن المعونات وتضع علامات الأحزاب وتوزعها على النازحين مدعية أن الدولة لا تهتم بهم.
وبين هذا أو ذاك يبقى واقع أن النازحين عانوا أكثر مما يجب، معاناة تهجيرهم، ومعاناة تحويل وضعهم إلى سوق سوداء حين ارتفعت الأسعار بشكل خيالي، ومعاناة شرائهم معونات كان من المفترض أن توزع مجانا... ومعاناة التعامل معهم بفضاضة.
تدخل جنوبية إلى دكان لتشتري قطعة حلوة لابنتها، فيبلغها البائع بأنها بثلاثة آلاف ليرة لبنانية. تستنكر السعر فيجيبها quot;إن لم يعجبك فلا تشتريquot; تناقشه quot;لا يحق لكquot;... يدير وجهه متمتاً quot;إذهبي إلى حسن نصر الله دعيه يبتاعها لكquot;.
دخل وقف النار حيز التنفيذ. سيعود النازحون سريعاً ولو كانت حياتهم ما تزال مهددة، فإسرائيل معروفة بعدم احترامها لأي من القرارات الدولية. تلوح نازحة بيدها وتصرخ quot;سأعود اليوم قبل غد، أفضل الموت على العيش بالذل هنا، ولو أمكنني العودة حين كانت الصواريخ تتساقط على قريتي لما بقيت هنا، لكن قوى الأمن منعتنا من التنقل. يخافون عليناquot;.
حرب دخلت مرحلتها الهادئة الحذرة، مرحلة فاصلة بانتظار بلبلات ومشاكل كثيرة داخلية. أهو تشاؤوم؟ ربما، لكن المؤشرات كلها تتجه نحو توتر ما بعده توتر بين فئات محقونة حد الانفجار.




التعليقات