يتكلمون بمفردات الحرب ويلهون بطائرات حربية
أطفال لبنان عايشوا الحرب بابشع تفاصيلها


ريما زهار من بيروت: يمسك عمر طائرته الحربية ويتجول بها في ارجاء المنزل قاصفًا مواقع يحددها هو على هواه، عمر في التاسعة من عمره، عايش حرب اسرائيل على لبنان والتي دامت اكثر من 33 يومًا، وهذه الحرب حتى لو حطت رحالها لفترة زمنية الا انها اثرت تأثيرًا مباشرًا على سلوك اطفال لبنان.

جهاد في الخامسة من عمره، لا يزال يخاف من النوم وحيدًا في سريره ويطلب ان تبقى والدته بقربه لانه يخاف من القصف واصواته المزعجة، اما رولا (11 عامًا) فهي لم تعد تتابع محطات التلفزيون بعدما رأت هذا الكم الهائل من الاطفال المصابين خصوصًا بعد مجزرة قانا التي ذهب ضحيتها العديد من الاطفال.

امام هذه العينة من اطفال لبنان يطرح السؤال اليوم، اي مستقبل نفسي لاطفالنا خصوصًا بعد هذه الحرب التي قضت على احلامهم الوردية واملهم بمستقبل مشرق؟ واي مصير ينتظر هؤلاء الاطفال خصوصًا في المراحل الحساسة من عمرهم، وبالتحديد الاطفال النازحين الذين عايشوا الحرب باصعب تفاصيلها؟

في هذا الصدد ينصح علماء النفس الاهالي بالاستماع الى ابنائهم دائمًا خصوصًا عندما يتكلمون عن مرحلة الحرب الصعبة وان يشرحوا لهم ان هذه المرحلة ذهبت لتأتي بعدها مراحل مشرقة، ومن المهم جدًا ان ينّفس الاطفال عن ما يخالجهم من خلال الرسم وحتى لو اتت الرسوم مخيفة في بعض الاحيان الا انها ستكون تعبيرًا وتنفيسًا عن ازمة نفسية عاشوها.

بعض الاهالي لاحظوا خلال الحرب ان سلوك ابنائهم تغير كليًا فباتوا اكثر عصبية ويتكلمون لغة الكبار، ودخلت على مفرداتهم عبارات القصف والقذائف والطائرات، بعدما كانت لغة الالعاب والرسوم المتحركة هي المسيطرة.

ويرى علم النفس في هذا الخصوص انه من الضروري عدم تسمّر الاهالي مع ابنائهم امام شاشات التلفزيون لمعاينة نتائج ومخلفات الحرب، وان يحاول الاهالي قدر الامكان ابعاد اولادهم عن المحطات التفزيونية خصوصًا تلك التي تظهر صور الاطفال بابشع مناظر الموت.

دانية ام لاربعة اطفال لاحظت ان اصغر اولادها عندما كان يسمع صوت القذائف يبدأ بالصراخ عاليًا بعكس اطفالها الآخرين الذين يتسمرون بقربها لمشاهدة اين اصابت القذائف من خراب.
كما لاحظت ان سلوك اولادها الاربعة بدأ يتغير تدريجيًا نحو الاسوأ اي باتوا اكثر عصبية وحديثهم يتمحور حول الحرب ومخلفاتها.

لا شك ان الحرب كانت مؤذية جدًا للكبار خصوصًا اولئك الذين عايشوا الحروب اللبنانية السابقة، لان هذه الحرب اعادت الى الاذهان صور ماضية في عمق تفكيرهم لم تمح بعد، الا ان آثار هذه الحرب على الاطفال اكبر بكثير، خصوصًا وان علم النفس يعتبر ان الطفل بين الرابعة والتاسعة من عمره تتكون شخصيته على ما شاهد ومرّ في حياته من احداث، وهؤلاء الاطفال الذين عايشوا هذه الحرب ستولد عندهم بلا شك في المستقبل عقدًا اقلها ضغوطًا نفسية عاشوها او كبتوها وسوف تظهر في المستقبل من خلال سلوكهم العدائي، لان العنف لا يولد الا العنف.

جمعيات انسانية
لكل تلك الاسباب قامت بعض الجمعيات الإنسانية خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان بتنظيم نشاطات للاطفال النازحين وذلك من اجل تخفيف آلام النزوح وما قد يرتسم في ذهن هذا الطفل من صور بشعة ستؤثر بشكل مباشر على مستقبله.

واهتمت هذه الجمعيات بنشاطات مختلفة منها الحديث عن الحرب بطريقة مبسطة دون التطرق الى وجهها المخيف، ومن ثم الحديث عن المستقبل المشرق الذي سيضىء سماء لبنان بعد هذه الحرب، وكلها من خلال مفردات مبسطة ومن خلال رسم كل هذه الوجوه المشرقة كي يتخطى الطفل ازمته النفسية ويتابع حياته كسائر اطفال العالم.

وهذه الجمعيات مدعوة بعد انتهاء الحرب الى الاهتمام اكثر بالطفولة المقهورة خصوصًا اولئك الاطفال الذين رجعوا الى بيوتهم ولم يجدوا سوى انقاضًا وركامًا، ومن الطبيعي على اولئك الاطفال ان يفقدوا معنى الدفء المنزلي الذي يشكل الاساس في نموهم فيما بعد وهو امر يتطلب دراية من الاهل لان الامر سيشكل حتمًا نقطة سوداء في طفولتهم.

ويعتبر علماء النفس ان الطفولة هي ركيزة الشخصية الانسانية، فاذا ما نما الانسان من خلال طفولة يائسة ستكون حياته المستقبلية اشبه بالجحيم، وسيتذكر حتمًا في كل مشكلة تصادفه هذه الطفولة البائسة التي ستبقى حاجزًا امام انطلاقه في الحياة وتمتعه بها.


[email protected]