إيمان إبراهيم: من المعاناة يولد الشجن والإبداع، وهو ابن الرّافدين الذي عانى قهراً وإقصاءً عن مدينته التي أحب، كان لديه ذلك الشعور وربّما الحدس بأنّه سيصبح نجماً يوماً ما، ففي الموصل كانت نشأته الأولى قبل أن تقرّر أسرته العودة إلى بغداد وهو لم يكد يبلغ الحادية عشر من عمره، في حي الحرية الذي شهد الانطلاقة الأولى لأهم نجوم العراق حقق انتشاراً كبيراً بعد أن أثبت أنّه يملك أكثر من مجرّد الرغبة بالنّجاح والانتشار.
كاظم الساهر المولود في جنوب الموصل في 12/9/1961، بدأ أولى تجاربه الفنيّة في سن الثانية عشر، حين لحن قصيدة quot;أين أنت يا حياتيquot; التي أثارت دهشة أساتذته.
لكنّ كاظم لم يكن لامعاً في مجال الفن والموسيقى فحسب، بل تفوق في الرياضيات والجبر وحصص التجويد، غير أنّ ظروفه الصّعبة دفعت به إلى دار المعلّمين بدلاً من إكمال دراسته، وتخرج منها معلماً حيث عيّن مدرّساً في إحدى مدارس الموصل في العام 1978قبل أن ينضم إلى الفرقة الموسيقية للموصل، ليقرر بعدها صقل موهبته بالدّراسة الأكاديميّة، حيث درس الموسيقى بأنواعها وأصول الغناء بكافة أشكاله، والتراث العراقي وآداب وفنون أخرى على أيدي أعلام الفن والأدب.
وتخرج في عام 1988-1989 حين كان عازف العود المعروف منير بشير عميداً للمعهد، وما يزال الساهر يذكر كيف أن منير بشير أراد طرده من المعهد بسبب أغنية quot;عبرت الشطquot;، إلا انه سرعان ما أعجبه عندما قدم قصيدة quot;اختاريquot; على العود في إحدى حفلات المعهد ، يذكر أيضاً كيف كسر أستاذه العود لأن كاظم غير مفاتيحه إلى مفاتيح الجيتار، فاعتبرها إهانةً للعود.
أول ظهور تلفزيوني له كان من خلال تلفزيون الموصل في نينوى في أيار1981 حين قدّم أغنية quot;ورد العشقquot;، غير أنّه لم يحقّق أولى نجاحاته في العراق إلا مع حلول عام 1987 مع أغنية quot;لدغة الحيةquot; ثم quot;عبرت الشطquot;، وتوسّعت شهرته لتمتد إلى أكثر من بلد خليجي، وبعيد اندلاع حرب الخليج سافر إلى الأردن في الفترة 1992-1991 وأقام سلسة من الحفلات الناجحة فيها، ثم كانت انطلاقته الأوسع من لبنان، ليصبح بعدها نجماً بمقاييس لا تشبه مقاييس العصر، حيث تألّق بالغناء الشعبي التراثي، وغناء القصيدة، مع تجربته المميّزة مع الشاعر الراحل نزار قباني، إذ لحن 24 قصيدة لنزار غنى منها 18 قصيدة، والباقي كانت بحناجر عربية أصيلة مثل لطيفة وماجدة الرومي وغادة رجب.
غنى الساهر للعراق، لكنّ آلامه لم تعمه عن رؤية آلام الآخرين، فغنى للقدس و \لكل الأمة العربية، وللبنان الذي خصّه بالكثير من المحبّة، واصفاً إياه بالبلد الذي ساعده في تخطّي آلامه.
كاظم السّاهر الذي يعتبر النّجم الأبرز في المهرجانات العربيّة العريقة، حافظ على صورة النّجم الرّاقي، حيث لم يدخل يوماً في مهاترات إعلاميّة، وحافظ على علاقة طيّبة بالصّحافة وبزملائه الفنّانين، فبقيت حياته الشخصيّة بعيدة عن الأضواء التي خطف بريقها عمله الدّؤوب، الذي توّجه النّجم العربي الأوّل في قائمة استفتاء quot;إيلافquot; للعام 2006.