نعمة خالد من دمشق: في روايتي ليلة الحنة، كنت قد تطرقت إلى واقع الشباب في مخيمات الشتات، وقد كان وصفي لهذا الواقع مثار نقاش ونقد في الساحة السياسية الفلسطينية، واتهمت بأني أشبه بالطابور الخامس الذي يبشر بالخراب.
لكن واقع الحال هو أسوأ بكثير مما وصفت، فالمخدرات في مخيمات الشتات تأكل الشباب رويداً رويداً، وسأتوقف هنا عند ظاهرة المخدرات في مخيم اليرموك.
فلا يمر أسبوع إلا ونسمع عن حالة موت لشاب نتيجة جرعة زائدة من المخدرات، وقد وصل عدد الذين ماتوا نتيجة جرعة زائدة في رمضان الماضي في مخيم اليرموك إلى خمسة وعشرين حالة. وإذا ما سرت في شوارع المخيم، فسوف تلفي عدد من الشباب، يسندون الجدران، وقد شاحت عيونهم في الفراغ اللامتناهي، دون أن يعوا ما حولهم نتيجة تعاطيهم للمخدرات، التي لا تتوقف عند الحشيش، أو الهيروئين، أو السيمو أو التنر، أو أصناف كثيرة من الحبوب، مثل: البروكسيمول، أو البالنتان،أو الزينكس، وقد وصلت الأمور إلى حد إطلاق مسميات على بعض الحبوب، فمثلاً يطلقون على البالتان اسم : الزهر، والبروكسيمول اسم: السنافر، وشراب السيمو اسم: توشيبا.
وهناك أسماء لحبوب يتعاطاها الشباب، لا مجال لذكرها، وقد استحدث الشباب بهدف زيادة فعالية هذه الحبوب طريقة بالتعاطي، تتمثل بطحن عدة أنواع منها، وأخذها إما بالشاي، أو بأي مشروب آخر.
والسؤال هو: لماذا وصلت الحال بشباب المخيمات الفلسطينية في الشتات إلى هذه المرحلة؟
والجواب بديهي، ولا يحتاج إلى تفكير كثير، فالبطالة التي تأكل أيام الشباب، وسوء الحال الاقتصادي، والفراغ السياسي والثقافي، ووقف تفرغ العديد من الشباب في إطار الفصائل السياسية الفلسطينية والتي تحولت إلى مكاتب تمثيل، دون امتداد جماهيري لها، كل هذا دفع بالشباب إلى الهروب من الواقع المأساوي إلى الإدمان على المخدرات، وصار أكبر حلم للشباب، هو فيزا إلى بلد أوروبي حتى بطريقة غير مشروعة.
ويمكن القولأن ثمة مشروع مبرمج لتخريب هذا الجيل، الذي يقع على عاتقه حمل المستقبل، ولا أتجنى على الفصائل إذا قلت أنها جزء من هذا التخريب، فعدد من قادتها، وفي إطار تأمين المزيد من المال، قد يلجأ إلى الاتجار بالمخدرات، خاصة في لبنان ومخيماتها، وقد أشرت في غير مقام إلى هذه الإشكالية في روايتي البدد التي تناولت التحولات السياسية والاجتماعية في مخيم عين الحلوة في لبنان بعد اجتياح 1982 .
وإذا ما أردنا أن نضع إحصائية أو نسبة مئوية لعدد الشباب الذين وقعوا فريسة هذه الآفة، سنجد أن نسبة المدمنين من الشباب في مخيم اليرموك قد تصل إلى 40 بالمئة، وهو لعمري رقم خطير وكبير، فأي مستقبل ينتظر الفلسطينيين في ظل هكذا واقع؟
وإن سعت بعض اللجان الأهلية للعمل في إطار الشباب، فإن الفصائل هي العائق الأول في وجه هكذا تجارب، هل يكفي أن أذكر هنا تجربة المركز الفلسطيني للثقافة والفنون الذي سعى عبر نشاطاته المتعددة، سواء في إطار التصوير الفوتوغرافي، أو في إطار دورات الغرافيك، أوعبر الأماسي الشعرية والقصصية، أو عبر السينما، في محاولة لملء بعض فراغ هؤلاء الشباب، وقد نجح جزئياً في مساعيه، لكن هذه التجربة يحاول البعض إجهاضها، من خلال تكبيلها بعدد من القيود، التي من شأنها أن توقف العمل في المركز، واعتبرت المركز خطراً على وجودها. وقد أصابنا بهم كما القول: لا يرحمون، ولا يتركون رحمة الله تنزل علينا.
بالتالي، وفي ظل واقع يحس فيه المرء باللاجدوى، فإن آخر النفق مظلم، وليس من منافذ للعبور، بل إن المؤشرات تشير إلى أن هذه النسبة من المدمنين ستكون في ازدياد إذا ما بقي الحال على ما هو عليه، وسيصبح الطبيعي هو الشاب الذي يتعاطى المخدرات، والشاذ هو من يبتعد عنها. والمخيم يفتقد إلى المؤسسات التي تعالج حالات الإدمان، وبالتالي، تنصلت الفصائل من مسؤولياتها اتجاه شعبها، هذه المسؤوليات التي غصت بها برامجهم السياسية والاجتماعية ولم تتعد أن تكون حبراً على ورق، وما يجعلك تحس بالقهر، هو إطلالة قادتها عبر الفضائيات العربية وهم يتشدقون بالحديث باسم الشعب وحقوقه، وهم أبعد ما يكونون عن هموم الشعب، فكم من قائد يحس وجع شاب تنسرب منه أيامه دون أن يحقق حلماً ما له؟ حتى ولو كان هذا الشاب صاحب تحصل علمي عال.
وبعد اللقاء، وبعد البسملة، قبل أن يبدأ كلامه، بعد كل التنظير الذي لا طائل منه، سوف تقوده سيارته الحديثة إلى مزرعة له عل تخوم دمشق، قد يتناول القائد كأساً مع صحبة له، وقد يمر بعشرات الشباب، الذين ما فتئوا يطلقون نظرات باهتة بلا معنى إلى الفراغ اللامتناهي نتيجة شرب كأس ملغومة على طريقة حديثهم ، أو تدخين سيجارة فيها مسمار حشيش كما يقولون أيضاً؟
التعليقات