غمدان الدقيمي:عرف اليمن بأنه موطن البن الأصلي، وكان البلد الوحيد في العالم إنتاجاً وتصديراً للقهوة، وهناك رأي يقول إن البن في اليمن اكتشف عام 500 قبل الميلاد، وانتشرت زراعته في القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين وتحديداً منذ بداية عام 1525، ويزرع في المنحدرات والمرتفعات وفي مناطق عدة من اليمن (بني مطر، الحيتمين، بني حماد و....الخ).
المهندس عبد الحليم محمد عبد الله، شخصية يمنية عمل في هذا المجال منذ عدة سنوات، تحدث لـquot;السياسيةquot; عن المناصب التي شغلها أثناء عمله في القطاع الزراعي، وعن البن اليمني والمشاكل التي تواجهه وأسباب انخفاض إنتاجه، وما شهده البن خلال فترة الثمانينيات والتسعينات ودور وزارة الزراعة والفوائد الصحية.


ثمار البن
يقول المهندس عبد الحليم لـquot;السياسيةquot;: quot;بدأ تصدير البن اليمني إلى الخارج في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين عن طريق ميناء المخاء، والتسمية التي اشتهر بها آنذاك (موكا كافي)quot;. مشيراً إلى أن المناطق المشتهرة بزراعة البن في اليمن (بني مطر، الحيمتين، بني حماد، جبل برع، ملحان، آنس، بني إسماعيل ومنطقة وادي الدور بالعدين..الخ). والقرنان السادس والسابع عشر الميلاديين هما المرحلة التاريخية التي بلغ فيها البن اليمني أوج ازدهاره.

واعتبر عبد الحليم، أن اليمن من أهم بلدان العالم في إنتاج البن وتصديره منوهاً لانخفاض الإنتاج إلى أربعة آلاف طن بعد أن كان يصل إلى 20 ألف طن سنوياً، موضحاً الأسباب منها انخفاض دخله قياساً بدخل القات التي اتسعت مساحته المزروعة على حساب مساحة البن، إضافة إلى شحة الأمطار (مياه الري) وعدم توفر أنظمة حديثة للري خاصة وان مناطق زراعة البن غالباً ما توجد في المدرجات الجبلية، إلى جانب انتشار الأمراض والحشرات، وعدم توفر الخدمات الزراعية للمكافحة، وعدم وجود مؤسسة لتسويق البن، وكبر أعمار الأشجار، إضافة إلى عدة أسباب مباشرة وغير مباشرة كانعدام استخدام الطرق الحديثة في رعاية الأشجار والممارسات العملية للمحصول.

وأضاف عبد الحليم، بالرغم من المعاناة التي يواجهها هذا المحصول حاول بعض المزارعين الذين يعتبرون البن جزءا من حياتهم المحافظة على بقائه مستخدمين طرق الري التقليدية وبعض الطرق والأساليب التي تحتفظ بدرجة رطوبة البن عن طريق بناء الخزانات في الجبال وتوصيل المياه عبر الوايتات من مناطق بعيدة بأسعار مكلفة، وقد استحدث المزارعون في بني إسماعيل طريقة لحفظ الرطوبة وقابلية الشجرة لكمية قليلة من الماءquot;.
طرق إكثار محصول البن:
وعن أشهر أنواع البن اليمني قال المهندس عبد الحليم: quot;البن المشهور هو العديني لارتفاع أشجاره بنحو أربعة أمتار، أما البن الدوائري فيعد من أحسن الأنوع؛ لأن ثماره أكبر حجماً وأنواعه التفاحي والمطري، والجعاري، والدوراني، والصافي، والبرعي، والشاين، و....الخ، وبالنسبة للبن التفاحي بدأت الدولة تنشره حول المشاتل لان تكاليف إنتاجه قليلة وقامت بتشجيع هذا الصنف، والمشاتل توجد في quot;الحيمة الداخلية، في الرصعة بـ(صنعاء)، ومشتل البن بورزان (تعز)، ومشتل البن في حمام علي آنس بـ(ذمار)، ومشتل البن في خولان بني عامر (صعدة)، وثلاثة مشاتل في محافظة المحويتquot;.

وتقوم الدول بتوزيع الشتلات المنتجة في هذه المشاتل التي تبلغ طاقتها الإنتاجية من 60-80 ألف شتلة موسمياً، حيث يتم معاملتها بالطرق الزراعية الحديثة داخل المشاتل (وتقوم بتوزيعها) على المزارعين بأسعار رمزية تشجيعية أو مجانية، كما تقوم الدولة ممثلة بوزارة الزراعة بتقديم الخدمات الزراعية للمزارعين كتعريفهم بكافة الطرق الزراعية الحديثة منذ غرس الشتلة حتى جني الثمار، وتقدم لهم الأسمدة والمبيدات والآلات الزراعية بالتقسيط، إلا أن هذا لا يكفي لذلك يقوم المزارعون كل في منطقته بعمل شتلات إضافية تنتج بحدود 200-300 شتلة موسمية وهي جهود ذاتية وبالرغم من هذه الخدمات إلا أنها لا تغطي مناطق اليمن كافة، وما ذكر سابقاً هي طرق مثلى لإكثار محصول البن.


محصول داعم للاقتصاد الوطني
وأضاف عبد الحليم، قائلاً: quot;وشكل البن دعماً للاقتصاد الوطني في مرحلة تصديره، قديماً، وكان مصدر (إدخال) عملة أجنبية للبلد، وهو أكثر السلع قبولاً للتصدير في اليمن ومن المنتجات الزراعية الهامة، ويقوم بتصديره القطاع الخاص، وحالياً المحصول يغطي حاجة الاستهلاك المحلي، ويصدر بكمية لا بأس بها إلى دول الخليج ودول العالم، لكن ليس بالكمية المتعارف عليها سابقاً نظراً لعوامل التردي التي واجهت هذا المحصول، وسبق أن ذكرناها، ولكننا نقول انه محصول استراتيجي وما يزال كذلك وسيظل محصولاً استراتيجياً داعماً للاقتصاد الوطني، لذلك يجب الحفاظ على شجرة البن من الانقراض بل والعمل على توسيع وتطوير زراعته وزيادة المحصول منهquot;.

المشروع الوطني للبن
بالعودة إلى الثمانينيات، يقول المهندس عبد الحليم لـquot;السياسيةquot;: quot;ابتداءً بالثمانينيات بدأت الدولة ممثلة بوزارة الزراعة الاهتمام بزراعة البن وتطويره وفي عهد الدكتور عبد الوهاب محمود الصبري، وزير الزراعة آنذاك، تم تأسيس أول إدارة للبن في الديوان العام للوزارة وتم دعمها بتمويل محلي وذلك لحل نفقات المشاتل التي كانت قائمة (الأيدي العاملة، قيمة البذور، والأكياس و....الخ)، وفي عهد الدكتور أحمد علي الهمداني، وزير الزراعة سابقاً، قام بتأسيس المشروع الوطني لتطوير زراعة البن، بتمويل محلي وخلال المشروع تم إنشاء مشتل البن خولان بني عامر، بصعدة، وتوسيع مشتل الحيمة وتحديث مشتل ورزان وتوسيع مشتل حمام علي آنس بمحافظة ذمار، لرفع الطاقة الإنتاجية لهذه المشاتل، وتأسيس مشتلين إضافيين في محافظة المحويت وكل هذا بتمويل محلي، ومن أبرز أنشطة المشروع الوطني للبن، دعوة المنظمة العربية للتنمية الزراعية- الخرطوم- لإرسال وفد من الخبراء الزراعيين والمتخصصين في زراعة البن للقيام بانجاز دراسة متكاملة للجدوى الفنية والاقتصادية لتطوير البن في اليمن على أن يتم عرض هذه الدراسة على الجهات الممولة، العربية والدولية، لكي يتم تمويل هذا المشروع بقروض عربية وأجنبية إضافة إلى الدعم المحلي.

ويضيف عبد الحليم: quot;وتم إنجاز الدراسة بواسطة بعثة من الخبراء السودانيين، وساهم بالدراسة عضوان من اليمن هما مدير عام المشروع وهو (أنا طبعاً) والآخر المهندس علي مكرد قائد، إلا أنه للأسف الشديد لم يتم تمويل هذه الدراسة حتى يومنا هذا، واقتصر دور المشروع الوطني لتطوير زراعة البن، على استحداث مشاتل جديدة ودعم المشاتل القائمة وزيارة المزارع والمزارعين في مناطق إنتاج البنquot;.

التعاون اليمني- الفرنسي
وزاد المهندس عبد الحليم قائلاً: quot;بعدها جاء الدور الفرنسي لدعم وتطوير البن وقد تمثل باسم (التعاون اليمني الفرنسي في مجال البن) وانضوى تحت الإدارة الفنية والمالية لمشروع المرتفعات الوسطى للتنمية الريفية المتكاملة (صنعاء وذمار)، ومثل الجانب الفرنسي في هذا التعاون أحد الخبراء الفرنسيين في مجال البن، وكنت شخصياً ممثل الجانب اليمني، وكان مصدر التمويل المعونة الفرنسية العينية لليمن- تباع بعض سلعهم وتورد قيمتها للبنك المركزي- ومن خلالها يتم تغطية نفقات المشروع المصغر للتعاون اليمني- الفرنسي لتطوير البن، وقد تم توقيع اتفاقية بين الجانبين على بدء تطوير البن بالإمكانيات المتاحة من دخل المعونة الفرنسية، ويتمثل الدور لهذا التعاون القيام بإنشاء مشروعات ري تكميلية تتمثل في إنشاء خزانات إسمنتية لتجميع المياه وضخها في شبكات ري حديثة من أنابيب الحديد المجلفن عبر مزارع البن التي تواجد التعاون اليمني- الفرنسي فيها.

ويشير المهندس عبد الحليم، إلى أن سعة الخزانات الإسمنتية بين 80-100 متر مكعب، أما شبكة أنابيب الحديد المجلفن تبلغ أطوالها من 3000 ndash; 3500 متر طولي، وبالرغم من أن عدد هذه المشروعات كبير جداً وما زالت كما هي حتى يومنا هذا فلم تتعدى التكلفة الإجمالية مبلغ 9 ملايين ريال.

ويوضح المهندس عبد الحليم، أنه يمكن القول إن للتعاون اليمني- الفرنسي بصمات جيدة حيث تم القيام بعمل دراسة حول محصول البن في التسعينيات وكذلك المشاركة في عدد من الدورات الإرشادية،...الخ، وكان الهدف الأساسي من برنامج التعاون اليمني- الفرنسي هو البرهنة مستقبلاً ومن خلال النتائج التي ستتحقق والتي ستكون دليلاً على إمكانية تحسين وتطوير زراعة البن كما ستشجع الدول والمنظمات والبنوك للدخول في تمويل مشروعات ضخمة لتطوير زراعة البن ليعود اليمن إلى مكانته السابقة في إنتاج وتصدير البن، ولكن للأسف الشديد توقف هذا التعاون عام 2004 ولا ندري ما هي الأسباب.


حصاد مياه الأمطار وتشجيع المزارعين
وعن نصيب محصول البن من القروض والمساعدات الدولية والحلول التي قامت بها وزارة الزراعة قال المهندس عبد الحليم محمد عبد الله: quot;لا توجد أي مساعدات أو قروض دولية لمحصول البن عدا مساعدة بسيطة من المعونات الغذائية السلعية الفرنسي، كما سبق وأن ذكرناهاquot;. أما بالنسبة للمحاولات والحلول التي قامت بها وزارة الزراعة هي إقامة مشروع تطوير زراعة البن في الجمهورية اليمنية ومن ثم إقامة الحواجز والخزانات لحصاد مياه الأمطار وزيادة الرقعة الزراعية ومساعدة المزارعين في الحصول على الشتلات من المشاتل المتوفرة، وفي الوقت الحالي طبعاً توجد إدارة للبن ضمن هيكل الإدارة العامة للشؤون الزراعية في وزارة الزراعة والري.

وعن الحلول المناسبة للتغلب مشكلة شحة أو عدم توفر مياه الري لمحصول البن في مختلف مناطق زراعته يقول المهندس عبد الحليم: quot;حصاد مياه الأمطار عن طريق تكثيف بناء الخزانات والحواجز المائية وتركيب شبكات ري حديثة إلى جانب المحافظة على الجابيونات وترميمها كلما أمكن للحفاظ على تربة الوديان وتشجيع المزارعين في تسويق هذا المنتج الهام (البن) في الداخل والخارجquot;.

وطالب المهندس عبد الحليم، quot;بإخراج- دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتطوير البن- التي أعدت ضمن أنشطة المشروع الوطني، ومناقشتها مع جهات التمويل لكي يتم من خلالها تقديم الخدمات الزراعية للبن أكثر شمولاً مما فات. مؤكداً عدم وجود بديل لهذه الدراسة التي أصبحت مجمدة ولم يستفاد منها رغم أهميتها منذ انجازهاquot;. ناصحاً المزارعين بشكل عام بعدم التوسع في زراعة القات والاهتمام بزراعة البن كجزء من تاريخ وطننا الكبير وإنعاش الجانب الاقتصادي للبلد.


فوائد صحية
عن الفوائد الصحية للبن، أشار المهندس عبد الحليم، إلى أن القهوة تحتوي على الكافيين (الذي يملك فعلا تحفيزيا خاصة على الجهاز العصبي المركزي، وتستخدم لتعزيز التشجيع (اليقظة) وتزيد من النشاط الذهني، والقهوة تملك مميزات مدرات البول، كما تساعد على التخلص من أو تلطيف أشكال معينة من الصداع، كما أن عضلة القلب تحتاج إلى الكافيين بكمية محدودة لانجاز وظائفها والقهوة بشكل عام مفيدة إذا لم يتم الإفراط في شربهاquot;.