أسامة العيسة من القدس: عندما ظهر العرب المسلمون، بقوة، على مسرح الأحداث الشرق أوسطية في القرن السادس الميلادي، فاجأ ذلك الإمبراطوريات التي كانت تتحكم في هذا الشرق، وظل هذا الظهور الكاسح مجالا للدراسة من قبل باحثين غربيين، حول أسباب هذا النهوض، والانتشار الذي استمر نحو ألف عام، بين مد وجزر، قبل أن يتقهقر بصورة مريعة.
وتتوفر عشرات الشواهد، التي رصدها في حينه الاخباريون العرب، عن استفادة العرب من الحضارات التي سبقتهم وتفاعلهم معها، رغم انهم خاضوا ضدها معاركا حاسمة مثل البيزنطيين، في معركة اليرموك، وابقى الحكام العرب الجدد على استخدام العملات القديمة، حتى لا يحدث انهيارات اقتصادية مباغتة، واكبر مؤشر على استفادتهم من تلك الحضارات هو الجوانب الفنية المعمارية، التي تظهر في البنايات الإسلامية المبكرة المبهرة مثل قبة الصخرة المشرفة بالقدس، التي امتزجت بها الفنون البيزنطية والفارسية والعربية.
وانعش العرب الموانئ الشرقية، حيث تم تبادل التجارة، وانتقلت الثقافات، ونسجت الحكايات، التي عاش بعضها حتى الان في عمل أدبي ضخم مثل (ألف ليلة وليلة).

وجاءت الإشادة بالعرب الذين ركبوا البحر واخضعوه وأضافوا إليه، من مكان غير متوقع أبدا، وهو معهد الدراسات البحرية في جامعة حيفا، وهو معهد متطور في مجاله، واعلن في الأسبوع الماضي، بكثير من الغبطة، بعض نتائج أجراها باحثوه على سفينة عربية عثر على حطامها، قبل عشر سنوات قرب مدينة حيفا الساحلية.
وحسب بيان إعلامي وزعه المعهد على وسائل الإعلام، فان الحديث يدور عن حطام سفينة في حالة جيدة، عثرت عليها قبل عشر سنوات بعثة من علماء المعهد وجامعة تكساس، في بحيرة ضحلة، قرب حيفا، تضم نحو 25 قطعة بحرية أخرى، مما يعطي مؤشرا بان المكان الذي عثر فيه على الحطام استخدم كميناء على الأقل في القرن الثامن الميلادي، التي يعود تاريخ السفينة إليه، وتم تحديد الفترة التي شهدت نشاط السفينة باستخدام الكربون، وبعد استمرار الحفريات في المكان حدد عمر السفينة بنحو 1300 عام.
علماء معهد الأبحاث البحرية في جامعة حيفا يعتقدون بان السفينة المكتشفة هي القارب الوحيد من تلك الفترة التي اكتشف في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويكتسب الاكتشاف أهمية لعدم وجود أي دليل تاريخي أو اثري، لدى الباحثين، عن النشاط الاقتصادي والتجاري في تلك الفترة الإسلامية، ويكشف العثور على السفينة بحسب الدكتور يوسف دور من جامعة بار ايلان المتخصص في الحضارة الإسلامية عن أن الحكام العرب الجدد للأرض المقدسة لم يعرقلوا التجارة البحرية التي استمرت وازدهرت.
ورأى الدكتور يعقوب كاهانوف رئيس فريق البحث من جامعة حيفا عن السفينة ان quot;غرق السفينة يشكل بالنسبة لنا مصدرا مهما للمعلومات عن الانشطة الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة، ويعرفنا على تأثير العرب في أنماط الحياة والتجارة في الأرض المقدسةquot;.
ويقود كاهانوف فريق بحث تحت الماء، للكشف عن أسرار السفينة التي بقيت في حالة جيدة، ومن بينها الصاري، وجسم السفينة الخشبي، وكثير من المحتويات التي وجدت في حالة سليمة.

ويبلغ طول السفينة 15 مترا، وعرضها 5 أمتار، وعثر فيها على 30 أناء خزفيا يعتقد أن مصدرها مصر، بالإضافة أطعمة محفوظة مثل الخروب والزيتون، وهي أنواع من المحفوظات ما زالت منتشرة حتى الان، بل ان بعضها مثل الزيتون المحفوظ يعتبر طبقا ملازما لوجبات الطعام في بلد مثل فلسطين، وأيضا عثر على ملاعق خشبية، وحبال وألبسة، واواني فخارية وأخرى من العظام، ومسلات للخياطة، وأشياء أخرى.
وقال كاهانوف أن السفينة، كانت تعمل بين سواحل البحر الأبيض المتوسط، تنقل البضائع وتتاجر، وان دراستها ستكشف الكثير من المعلومات، ليس فقط عن النشاط الاقتصادي، ولكن عن الظروف الاجتماعية، بعد بزوغ الإسلام وانتشاره.
واختلف علماء معهد الدراسات البحرية في جامعة حيفا حول نشاط السفينة النادرة وغرقها، فبعضهم لديه تقدير أن السفينة التي كانت تذرع سواحل البحر الأبيض المتوسط، يعتقد أنها كانت تقل طاقما مكون من 4-6 بحارة، ينشطون ليس فقط في التجارة ونقل البضائع، ولكن أيضا في صيد الأسماك، وأنها في إحدى رحلاتها بين موانئ الشرق، غرقت في مياه ضحلة.
أما قائد فريق البحث الدكتور كاهانوف صاحب الخبرة الواسعة في التعامل مع السفن القديمة، فلا يعتقد أن غرق السفينة قرب حيفا كان أمرا عارضا، ولكنه يميل إلى الزعم بان طاقم السفينة أحضروها إلى البحيرة التي وجدت فيها، بشكل متعمد، كجزء من نشاطهم في البيع والشراء، وانهم إما أرادوا تحميل بضائع أو بيعها، مما يدل على وجود ميناء قريب من البحيرة، وهذا يعني انه وجد تجمع سكاني في تلك الفترة في المكان، لم يكن معروفا من قبل.
ويذكر بان ميناء حيفا الحالي، الذي يعتبر اشهر واهم موانئ إسرائيل الان، اكتسب أهميته، فقط حديثا وفي العقد الأول من القرن العشرين بعد إنشاء خطة سكة حديد الحجاز، وسحب البساط من تحت موانئ أخرى مثل يافا وعكا، لعبت أدوارا طوال آلاف السنين في الشرق، ولكن حكاية هذه الموانئ التي تلهب المخيلة، يتضح أنها لم تكتمل بعد مع العثور على حطام السفينة العربية، التي ذرعت تلك الموانئ حاملة البضائع، والحكايات، وغرقت بصمت، لتعود من جديد إلى الحياة بعد 1300 عام.

التحقيق منشور في إيلاف دجتال يوم الجمعة 16 شباط 2007