أسامة العيسة من القدس: في الأسبوع الماضي، أعلن الباحث الفلسطيني المختص بالآثار وليد العقاد، انه عثر في منطقة خان يونس، جنوب قطاع غزة، على مقبرة أثرية قديمة بها تابوت من الرصاص اللين يعود إلى العصر البيزنطي. وحسب العقاد، فان وزن التابوت يبلغ 105 كليو غرام، وقال انه عثر داخل التابوت على قطعتين من النقود القديمة، ظهر عليهما في الوجه الأول الإمبراطور متجها إلى اليمين ويرتدي ملابس عسكرية وعلى الوجه الثاني حرف كبير M باللغة اللاتينية للدلالة على القيمة النقدية للعملة.
وتعتبر هذه العملة من اشهر العملات البيزنطية المبكرة، في فلسطين والأردن، ومناطق أخرى، وبالإضافة إلى القطعتين قال العقاد، انه عثر داخل التابوت على جرة من الفخار الأبيض.
وهذه ليست المرة الأولى، التي يعلن فيها العثور على أحد التوابيت، التي استخدمت خلال العصور القديمة في فلسطين، وكانت في كثير من الأحيان اكثر من مجرد توابيت للدفن، وحملت ثقافة صانعيها، وان كان ما يميز الكشف الذي أعلن عنه العقاد، انه مصنوع من الرصاص.
وقبل اشهر من ذلك، ابتهج الاثاريون الإسرائيليون، عندما عثر ثلاثة أطفال إسرائيليين، أثناء لعبهم، على تابوت حجري في المنطقة التي يطلق عليها الإسرائيليون (بيت شيمش)، والتي تضم مستوطنات أقيمت على مجموعة قرى فلسطينية في السهل الساحلي دمرت بعد عام 1948.
ومثلما يحدث مع كل اكتشاف اثري، وربطه بتواريخ الكتاب المقدس، سارعت سلطة الآثار الإسرائيلية، إلى القول بان هذا التابوت يعود إلى فترة الهيكل الثاني، والمقصود القرن الأول الميلادي، وهو يعني انه يعود للفترة الرومانية.
والتابوت الذي عثر عليه، تميز بنقوشه الخزفية الرائعة، ونوع الحجر الأبيض المصنوع منه المشرب بالحمرة، ورغم روعة هذا التابوت، إلا انه من الصعب تصنيفه ضمن مجموعات التوابيت بالغة الأهمية التي كان عثر عليها خلال سنوات طويلة من البحث والتنقيب، طوال عقود سبقت قيام إسرائيل.
وتوجد مجموعة من هذه التوابيت في المتحف الفلسطيني بالقدس، الذي يخضع لسيطرة إسرائيل وتطلق عليه اسم (متحف روكفلر) وتتميز بعض هذه التوابيت، بضخامتها، وبوجود نقوش عليها، تمثل قصصا حربية، وبعض الأساطير اليونانية والرومانية، بشكل بالغ الحرفية من قبل النحاتين.
ولا تحظى هذه المجموعة من التوابيت باهتمام إدارة المتحف، التي تخزنها في أماكن غير ملائمة، وان كانت افضل حظا من غيرها من توابيت اقل أهمية، تم وضعها في الحديقة الخلفية للمتحف، وتظهر عليها نتيجة الإهمال، مثل تكسر بعضها.
ومن أهم التوابيت التي تم العثور عليها، هي تلك التي ضمتها مقبرة قرية عسكر، الواقعة على السفوح الجنوبية الشرقية لجبل عيبال الشهير في نابلس، ويكاد لا يعرف أحد أن هذه القرية تضم كنز اثري بالغ الأهمية.
الأثرى الفلسطيني إبراهيم الفني الذي شارك في الكشف عن هذه المقبرة في سبعينات القرن الماضي، تحدث لمراسلنا عن هذا الكشف، قائلا بأنه أسفر عن العثور على نحو 150 تابوتا ليس فقط في هذه المقبرة ولكن في مدينة نابلس أيضا.
وقال الفني، بان قسما من التوابيت التي عثر عليه يعتبر فخما، وقسم آخر بسيطا، ويشير بأنه لفت انتباهه بشكل خاص أحد التوابيت الذي زين براس عجل، بالإضافة إلى الرسومات الأخرى على التوابيت مثل الورود والجذور واوراق الشجر.
ومن بين تلك التوابيت، تابوتا على شكل سرير، كتب عليه باليونانية اسمي زوج وزوجة، تأتى مباشرة بعد رسوم ونقوش أخرى.
ومن بين الرسومات التي وجدت على التوابيت، رسما لشجرة الكرمة تغطي الواجهة الخاصة بالتابوت مع عنقود كبير، وبالقرب منه يوجد كاس، وهذا يرمز إلى الفلاح الذي يزرع الكرمة ثم يقدمها إلى ضيوفه على شكل شراب.
وعن دلالات الرسوم على التوابيت يقول الفني quot;هذه التوابيت تخص شريحة من المجتمع الروماني، ولنأخذ مثلا، فالتابوت الذي تظهر عليه صورة راس العجل، نجد أن الإكليل موضوعا فوق راس العجل وليس أسفله، وهذا يعني أن القائد كان منتصراquot;.
ومن الطرائف التي قد تبدو محزنة فيما يتعلق بهذه التوابيت، أن الجنرال الإسرائيلي الشهير موسى ديان، المولع بالآثار، حاول سرقة بعضها، كما يروي الدكتور الفني، الذي كان يعمل آنذاك كمفتش آثار محافظة نابلس.
وروى الفني مشاهداته الشخصية على ما يسميها جرائم ديان في سرقة الآثار واقلها ضبطه اكثر من مرة يقوم بنفسه بالحفريات وبحراسة جنود الاحتلال، وحدث ذلك في قرى وخرب عديدة منها (دوما، باجورة، ارزة)، شمال الضفة الغربية.
وفي إحدى المرات يقول الفني بأنه ضبط ديان وهو يقوم بنقل تابوتين أثريين بعد قيامه بالحفر في خربة عمورية بالقرب من نابلس وحاول، الفني، أن يحتج، بصفته مسؤولا عن الآثار في تلك المنطقة، ولكن جنود الاحتلال حاولوا إيذائه، فطلب ديان منهم عدم فعل ذلك، وبعد أن اخذ ديان التابوتين، ذهب الفني إلى مركز الشرطة وقدم شكوى ضد ديان، ومورست على الفني، كما يقول، ضغوطا من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي لمنطقة نابلس، ولكنه في النهاية تمكن من إعادتهما.
ويمكن فهم ذلك بحقيقة كون الفني موظفا حكوميا أردنيا من الذين أبقت عليهم سلطات الاحتلال التي جهدت في سنوات الاحتلال الأولى، ولأسباب سياسية، في إبقاء الأمور المدنية في أيدي موظفين محليين.
ورغم أن التوابيت التي يعثر عليها بين الوقت والأخر في هذا المكان أو ذاك في الأرض المقدسة، لم تخضع للدراسة الجادة، والاهتمام المطلوب، خصوصا من قبل الباحثين الفلسطينيين، ولم تلفت انتباه المثقفين، فان اكثر الأفلام الوثائقية إثارة للجدل الان، هو فيلم (قبر المسيح المفقود) الذي يعتمد صانعوه على توابيت عثر عليها في مقبرة موجودة في حي البقعة، جنوب القدس، بالقرب من بيت لحم، وقدموا افتراضا، بعد سنوات من الدراسة أنها تخص السيد المسيح ومريم العذراء، ومريم المجدلية التي يفترض صانعو الفيلم انه تزوجها، ورزق منها بابن صنف أحد التوابيت باعتباره يحوي رفاته.
ومنذ أن عرضت قناة ديسكفري الفيلم في وقت سابق من شهر آذار (مارس) الجاري وهو يثير النقاش، في حين يتوقع، أن الهواة والأثريين والأطفال سيواصلون، بين الوقت والآخر العثور على المزيد من توابيت الأرض المقدسة، التي ستجد نفسها في النهاية في مخازن سلطة الآثار الإسرائيلية، أو عرضة للإهمال في مناطق السلطة الفلسطينية، التي تئن دائرة الآثار التابعة لها من آلام كثيرة.
ولكن المؤلم أنها لم تحظى بعناية، ما يثيره الفلم الأخير الذي عرضته قناة سكاي بعنوان (قبر يسوع المفقود)
التعليقات