نصر جميل شعث من غزة: أخذت ظاهرة عيادات العلاج بالقرآن بالانتشار في قطاع غزة، في ظل حالة من العماء والجهل والأمراض الاجتماعية وأهمّها تفشي البطالة. حيث وجد البعض في القرآن طريقة للتكسّب. ولم يبق إعلان هذا الشيخ أو ذاك عن قدراته الربانية في حدود الحيّ أو المسجد؛ بل تعدى ذلك إلى ظهور الإعلانات في الصحف عن افتتاح العيادات، فضلا عن توزيع النشرات والكتبيات الإرشادية. وهكذا دون ما تدرج علمي أو حرج يطرح الشيخ نفسه متذرعًا بكتاب الله؛ بديلا للعلم والدكتور.. فيصبح هو حاملا لقب quot;الشيخ الدكتور المباركquot; (من الله سبحانه وتعالي).
هذه البدع سرعان ما وَجَدت طريقها للاستفحال في بيئة محلية متهتكة على كافة الصعد، ثقافتها مَحض غيبية. فإذا اشتكى شخص من عارض أو ألم في أي موضع من جسده، يسارع هو أو من حوله إلى تشخيص الشكوى بردها للسحر أوللحسد أو للجن الضار والكافر واليهودي.
بعض الإعلانات الرائجة لعلاج الأمراض بالقرآن بإدارة الشيخ زيادالتتر. هذه بعض الأمراض التي شفيت بذن الله: (الصدفية- العقم- السكري- القرحة- الأزمة- عدم الانجاب- المربوط- الصرع- الحالات النفسية- الطفح الجلدي- التبول اللاإرادي- الحساسية في العيون- الصداع المزمن- التقيؤ المستمر- السحر- الحسد- الجن.. وأمراض أخرى كثيرة .. والله الشافي.) quot; العلاج بالقرآن فقط، وبعيد عن الشعوذة والدجل والسحر إلى آخرهquot;. |
ومنذ الفترة التي شهدت قدوم وتأسيس السلطة الفلسطينة في قطاع غزة، وحتى هذه اللحظة، تبرز بين الحين والآخر أسماء quot;شيوخquot; أعمارهم لم تتجاوز الأربعين ، بدأوا الترويج لهذه البدعة الجديدة والمثيرة.
أشهر الشيوخ الدكاترة هو زياد التتر، الذي يتخذ من قطاع غزة ومنطقة بئر السبع جنوب صحراء النقب مجالَه الحيوي .. وفي السنوات الأخيرة راج وذاع صيته بشكل كبير حتى أن جامعة بن غوريون العبرية، في بئر السبع، استضافته لإلقاء محاضرة حول العلاج بالقرآن؛ إستمع إليها طلاب الماجستير المشاركون في دورة بعنوان quot;علم النفس في الحضارات المختلفةquot;.. وللشيخ التتر هذا الاعلان، الرائج، المرتبط بشهرته، منذ سنوات. حيث نَشرَ في الصحف.
وقد عبر رجال الدين والعلم عن رفضهم لهذه الظاهرة التي لا تمت للقواعد الفقهية والشرعية ولا العلمية بصلةٍ؛ معتبرين أنّ انتشار هذه العيادات ليست سوى بدعة مخالفة للكتاب والسنة، ووسيلة للتكسب المادي وحسب. وخرجت فتاوى ضد هذه الظاهرة التي لا تعدو أن تكون وجها آخر للشعوذة الدجل والكذب وعدم احترام الدين والاخلاق. ويثار بين الحين والآخر موضوع العلاج بالقرآن في الصحف والدوريات والإذاعات المحلية. فترد اتصالات هاتفية كثيرة من أناس يشاركون بالبرامج التي يناقش هذه القضية، ويتوجهون بالأسئلة لشيخ فقيه وفاضل تستضيفه هذه الإذاعة أو تلك الإذاعة.. ويُسمَع الكثيرُ من القصص، كقصة سيدة في الثلاثين من عمرها أنجبت طفلها الثالث، وأصيبت بجلطة ودلادة، تضخمت رجلها اليسرى بشكل مخيف، فاستدعى ذلك إدخالها في غرفة العناية المكثفة في إحدى مشافي غزة، خلال ذلك خضعت لعلاج خاص, وتقرر حقنها بعشر حقن خاصة على مدار أسبوعين.. إذ اضطر الزوج لشراء هذه النوع من الحقن من شركات الدواء الخاصة، وبلغ ثمن الحقنة الواحدة 100 $ ؛ لعدم توفّرها في مستودعات وزارة الصحة الفلسطينة، بسبب حالة الحصار والضائقة في قطاع غزة إثر الأحداث والإضطرابات( التي تستغلها اسرائيل بتضيق الخناق) والناجمة عن الخصومة الكبيرة بين حركة حماس المسيطرة على غزة والرئاسة الفلسطينية التي تتخذ مقرّا لها من رام الله في الضفة الغربية. لكن، لم يكتف الناس من حول المريضة بما يقوله الطب والأطباء، فالتوزازي مع خضوع السيدة للعلاج الطبى، تَداول المقربون منها كلماتِ التشخيص الشعبي الساذج مثل: الحسد، العين، السحر، النفس ، الجن.. إلى أن ساءت نفسية السيدة ودبّ فيها الوهم والوهن. فشاع أنّ الجنّ يتلبّس رِجْلها المتضخمة. وتحت سطوة هذا التشخيص الشعبي الجاهز والدراج والمريع، ما كان إلا إخضاع السيدة للعلاج بالقرآن، إذ أحضر الزوج - بعد خروج السيدة من المشفى للراحة ومتابعة العلاج الطبي في البيت- شيخًا معروفًا في المدينة للقراءة على الرِجل المسحورة والمسكونة بالجن، ومعها الزيوت والمستحضرات التي يستعملها الشيخ أو المشعوذ في الجلسات .. وعندما طرأ تحسن على حالة السيدة، بعد قرابة الأربعين يومًا ، أشار البعض ذلك إلى مفعول العلاج الطبي. ولكن، الكثير أرجع التحسن لمفعول علاج الشيخ الذي إستمر لأكثر من 15 جلسات يعطي المريضة جرعات قرآنية مصحوبة بالزيت والبخور والتحضيرات المختلفة. حتى أصبح من الصعب حفظ الفضل للعلم والطب في هذه القصة التي لا تسمح، أيضًا، بتمييز الفرق بين فضل القرآن والشعوذة والدجل والاستخفاف بعقول الناس وابتزازهم ماديا.
التعليقات