قتلت حافريها ودفنت قصصهم بين مصر
أنفاق غزة ممرات للتجارة والسلاح والموت وفلسطين


نجلاء عبد ربه من غزة: تتواصل حرب الأنفاق وتشتد وطأتها يوماً بعد يوم على طول الشريط الحدودي بين رفح الفلسطينية والمصرية، رغم التهدئة التي أبرمت بين الفصائل الفلسطينية متمثلة بحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بالكامل، وبين الجانب الإسرائيلي برعاية مصرية.
وبات الأمر واضحاً أن هناك مستفيدين بدرجة كبيرة من إغلاق معبر رفح إلى أجل بعيد، ومنهم بالطبع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بالكامل منذ أكثر من عام، التي تُدخل كل ما تحتاجه من خلال امتلاكها عدة أنفاق، بينما تفرض ضرائب وغرامات على الأنفاق التي تعود إلى رجال أعمال وتجار فلسطينيين.


ويعتمد الفلسطينيون في قطاع غزة على الأنفاق بشكل كبير كبديل حيوي ومهم عن حالة الحصار التي تفرضها إسرائيل عليهم منذ أكثر من عامين. وتدخل السلع البضائع من خلال تلك الأنفاق، الأمر الذي حدا بعشرات التجار الأغنياء من مدينة غزة تحديداً لإمتلاك أنفاق خاصة بهم لإدخال بضائعهم.
وشكلت انتفاضة الأقصى عام 2000م، حافزاً قوياً لعمل أنفاق تحت الأرض بين مدينة رفح الحدودية والأراضي المصرية لأغراض وطنية، ولإدخال الأسلحة للمسلحين الفلسطينيين، إلا أن الأمر تحول بعد رحيل إسرائيل عن قطاع غزة عام 2005م، للتجارة ولدخول بضائع وسلع بغرض بيعها للسوق المحلية في غزة، أكثر من تهريب الأسلحة.


يجري التركيز في الآونة الأخيرة من عمليات التهريب على الوقود، بعد تقليص إسرائيل لكميات الوقود الداخلة إلى قطاع غزة وانقطاعها في كثير من الأحيان. ويباع ليتر البنزين الرسمي في قطاع غزة بـ 7.5 شواكل وهو سعر محدّد، (الدولار يساوي 3.35 شواكل)، إلا أن ليتر الوقود المهرّب يباع بـ30 شيكلاً.

ويؤكد فلسطينيون لـ إيلاف أن عدد الأنفاق زاد بشكل ملحوظ بعد الحصار الإسرائيلي على غزة وتجاوز عددها بالمئات. وباتت صناعة الأنفاق مصدراً لأكثر من 1000 عامل فلسطيني تخصصوا في حفر تلك الأنفاق. ورغم المخاطر التي تواجه هؤلاء العمال إلا أن أحداً لم يفكر في ترك مهنته. يقولون لا بديل في غزة عن تلك المهنة الخطرة، ويضيف أحدهم لإيلاف quot;متأكد أنني في أي لحظة يمكن أن أموت خنقاً أو تحت انهيار النفق، إلا أنه لا يوجد بديل هنا في غزة، فلا عمل هنا بتاتاً غير تجارة التهريب من خلال الأنفاق أو بيع ما يمكن تهريبهquot;.

وكانت مصادر طبية فلسطينية أكدت مقتل خمسة مواطنين، وإصابة 14 آخرين في انهيار مجموعة أنفاق قبل يومين، في منطقة البرازيل على الحدود الفلسطينية المصرية، شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وبوفاة الشباب الـ 5 يرتفع عدد ضحايا الفلسطينيين في الأنفاق إلى 22 شخصا خلال العام الجاري بحسب إحصاءات حقوقية إثر انهيار أنفاق أرضية.

وابلغ فلسطينيون إيلاف أن ما يقرب من عشرين شاباً فلسطينياً يملكون عدة أنفاق همّوا بالدخول لتلك الأنفاق وتفقدها بعد أن إكتشفت مصر عدة إنفاق وقامت بتدميرها وسكب مواد سامة بداخلها، ما أدى إلى اختناقهم جميعاً، وإنتشال 14 شاباً قبل أن يفارقوا الحياة.

ويؤكد أبو أسامه، صاحب نفق على الحدود بين رفح ومصر، أن حركة مرور السلع والبضائع عبر تلك الأنفاق زاد بشكل كبير بعد منع إسرائيل إدخال العديد من البضائع عبر المعابر خلال فترة تشديد الحصار. وأضاف لإيلاف quot;نحن نستفيد الكثير من تجارة الأنفاق، فهي مدخول مادي مربح للغايةquot;.

ويعتمد الفلسطينيون على السلع التي تدخل من الأنفاق بشكل كبير، حتى أن مؤسسات كشركة الاتصالات الفلسطينية باتت تطلب من الفلسطينيين الذين يطلبون منها خدمة الإنترنت، التريث حين إدخال جهاز quot;الراوتر الخاص بالخدمةquot; من الأنفاق.

ويقول أبو أسامة إن أدوية وحليب أطفال ومواد غذائية وقطع غيار سيارات ودراجات نارية، فضلا عن كميات قليلة من وقود السولار والبنزين والملابس، هي من أكثر السلع التي تدخل النفق الذي يملكه.

وضبطت السلطات المصرية عشرات الأنفاق، تسعة أنفاق على الأقل خلال الشهر الجاري فقط، بعضها كان يستخدم لضخ الوقود والبعض الآخر يستخدم لتهريب السلع المصرية. وعثر في احد الأنفاق التي تم ضبطها علي 40 جوالا، وكميات من المواد الغذائية كالعصائر والزيوت والجبن وحليب الأطفال والأدوية وسجائر، فيما عثر على نفق ثان وبداخله على كميات كبيرة من السجائر و60 جوالا بلاستيكيا وقطع غيار للسيارات وأجهزة كمبيوتر وإطارات السيارات المطاطية.

وتستغرق عملية إنجاز حفر النفق الواحد نحو ثلاثة أو أربعة أشهر، ما لا يقل عن 20 عاملاً، يستخدم خلالها شبكة كهربائية ومعدات حفر ومحركات سحب، إضافة إلى وسائل تقنية وخبراء لتحديد مسار النفق، عبر استخدام quot;بوصلاتquot; ومهندسين لتحديد اتجاه النفق وربطه بالجانب المصري بشكل دقيق.

ويصل طول النفق الواحد إلى نحو 1200 متر فيما يصل عمقها إلى ما لا يقل عن 17 مترا وتتسع فتحة هذه الأنفاق لشخص واحد فقط وعادة ما تكون مخبأة داخل حظائر تربية الطيور أو أسفل خزانات الملابس أو وسط الزراعات والأحراش مع الجانب المصري، بينما تبدأ فتحة النفق من الجانب الفلسطيني من خلال بيوت ملاصقة للحدود أو من خلال بيوت زراعية بلاستيكية.

واعتمد سكان غزة لسنوات طويلة على السلع المصرية التي كانت تصدر لهم عبر معبر رفح الحدودي، وتراجع الأمر بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، بسبب كثرة إغلاق المعبر من الجانب الإسرائيلي، ما زاد من الاعتماد على تجار الشنطة الفلسطينيين الذين كانوا يترددون بأعداد كبيرة إلى مدينة العريش المصرية القريبة من الحدود مع قطاع غزة، لشراء السلع والعودة مرة أخرى في اليوم نفسه، حتى تم إغلاق المعبر بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، فنشطت تجارة الأنفاق منذ ذلك الوقت.

يقول راغب quot;20 عاماًquot;، يعمل في حفر الأنفاق quot;الأمر ليس سهلاً خلال حفر النفق، فنحن نواجه الكثير من الصعاب، ونبيت أياماً كثيرة بعيداً من منازلنا، وأحياناً نٌزود بأنابيب أكسجين كي نستمر في الحفرquot;.

ويوضح راغب لإيلاف quot;الخطر الكبير الذي نواجهه هو إمكانية انهياره في أي لحظة، أو ضخ مياه الغازات السامة لدى اكتشافه من قبل السلطات المصريةquot;، مشيراً إلى أن إثنين من العاملين معه، أصدقاءه، توفيا في وقت سابق بعد إنهيار نفق عليها خلال الحفر. ويؤكد أنه يتقاضى مبلغ 500 إلى 600 دولار أسبوعياً، بحسب صاحب النفق والية الإتفاق معه.

وسمح اتفاق تم التوصل إليه عام 2005 لمصر، بإرسال 750 من قوات حرس الحدود إلي المنطقة لضبط الأمن على الحدود مع قطاع غزة. وطالبت مصر بزيادة العدد إلى الضعف للتمكن من فرض سيطرتها بالكامل على حدودها مع غزة، في الوقت الذي تتهم فيه إسرائيل، مصر بعدم بذل ما يكفي من جهود لوقف التهريب.