إسماعيل دبارة من تونس: بدت السيّدة منجيّة همّامي مغلوبة على أمرها وهي تشتكي لإيلاف من سلوكات ابنها أيمن 14 سنة الذي اعتدى قبيل عطلة الثلاثي الأول على أستاذته بالعنف الماديّ و اللفظي ، قبل أن يلحّ على والديه بضرورة تركه للدراسة في أقرب وقت ممكن قبل أن quot;يرتكب جرماquot;. تقول السيّدة منجيّة :quot;أرهقنا هذا الصبيّ كثيرا ،ما عدت احتمل سلوكاته المتشنّجة مع أساتذته وشكاويهم المتواصلة منه ، توقعت منه كلّ شيء إلا أن يضرب أستاذته بذالك الشكل ، لا أعرف ما الذي دفع به لهذا السلوك المشين الذي أدى إلى عقابه لكن يمكنني أن أؤكد أنه لم يعد في حالة طبيعية و إن كنا نسهر على توفير كافة المستلزمات و الحاجيات له حتى يسير على منوال أخته المتفوّقة.quot;
التلميذ أيمن بدا غير معنيّ بما تقوله أمه ، فهو سيغادر مقاعد الدراسة طوعا أو بعد أن يضرب مدير المعهد و يحيله إلى التقاعد المبكر حسب ما صرّح لإيلاف و يتابع:quot;لا ادري سبب حرص أمي على الدراسة أكثر من حرصي عليها ، قلت لها ألف مرّة إنّ الدراسة ما عادت توصل لأي شيء، زماننا زمان عمل و مال ومقاعد الدراسة و حكايات الأساتذة المُملّة عفا عنها الزمن وهي لا تجني أموالا و لا ترزقني بسيارة ومنزل فاخرquot;.
التلميذ أيمن الذي أقلقت وضعيته والدته كثيرا يُعتبر نموذجا معبّرا لعدد من تلاميذ تونس الذين لجؤا إلى العنف في فصولهم ،ضدّ زملائهم تارة وضدّ معلميهم تارة أخرى وهم عادة من الراغبين في مغادرة مقاعد الدراسة في سنّ تبدو مبكرة للغاية .
ظاهرة العنف داخل المدارس التونسية ضلّت تتفاقم يوما بعد يوما إلى درجة أن بعض وسائل الإعلام المحلية وصفتها بـquot; الظاهرة العاديةquot;. وتشير بيانات وزارة التربية والتكوين إلى أنّ عدد حالات العنف المسجل في الوسط المدرسي بلغ خلال العام الدراسيّ 2005 ـ2006 حوالي 2025 حالة منها 1040 حالة اعتداء داخل الفصل أي أثناء الدرس.
و توزعت 800 حالة اعتداء معلن عنها من قبل التلاميذ بين الاعتداء اللفظي (653 حالة) والعنف البدني أو الماديّ (56 حالة) بلغ حدّ الطعن والتشويه والتهديد بسلاح أبيض و56 حالة اعتداء أخرى.
و تشير أرقام quot;خلية إحصاء حالات العنف في المحيط المدرسي quot;التي أنشأت صلب الوزارة خلال السنة الدراسية 2004 ـ 2005 إلى إمكانية ترشيح تونس إلى المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من حيث إحداث منظومة لإحصاء عنف المدارس .
دراسة حديثة حول العنف اللفظي أعدها المرصد الوطني للشباب في تونس ndash; وهو مؤسسة حكوميّة ndash; أظهرت أن الأب والإخوة الذكور ثم الأخوات هم أبرز المروّجين للعنف اللفظي داخل الأسرة لأسباب تتراوح بين الانفعال وإثبات الذات والمزاح كما أظهرت ذات الدراسة أنّ المؤسسات التربوية تحتلّ المرتبة الثانية من حيث الفضاءات الأساسية لانتشار العنف اللفظي.
يقول الأستاذ في التعليم الثانوي جمال التيس 32 سنة وهو ممن تعرض لاعتداء مادي من قبل تلميذه ، اعتقد أنّ الظاهرة بدأت تقلق الأسرة التربوية بالفعل خصوصا و أنّ عددا من الزملاء ابدوا استيائهم من هذا الوضع ، نحن كأساتذة ومعلمين لم نعد نأتمن على أنفسنا خصوصا لمّا نمارس حقنا في معاقبة تلميذ مخطأ أو التعامل معه بحدة في سبيل دفعهم نحو الاجتهاد و إتيان المستطاع ضمانا لنجاحهم quot;. ويضيف الأستاذ التيس:quot;نحن نحذّر باستمرار الجهات المعنية من أنّ تلميذ اليوم في تونس لم يعد كما كان ، فهو يتابع الفضائيات و يبحر عبر الانترنت و يشاهد العنف و أساليب القتال أينما حلّ وعلينا أن نتخلى عن الأساليب التقليدية التي أثبتت فشلها في تثقيف و توعية هذا الجيل الجديد والغريبquot;.
و على الرغم من أنّ الأرقام و البيانات الرسمية في هذا الصدد لا تبشر بمستقبل طيب للمدرسة التونسية ، إلا أنّ الأولياء و الأساتذة و التلاميذ تبادلوا جميعا الاتهامات فيما بينهم حول مسؤولية ما يحصل، فالتلميذ نضال جماعي 13 سنة (غادر الدراسة منذ سنة) يقول إنّ الأساتذة quot;في حاجة إلى من يدرسهم بعد أن أثبتوا عدم قدرتهم على فهم نفسية التلميذ و كيفية تقبله للمعلومةquot; ، و لأنه quot;مسالمquot; على حدّ تعبيره فقد اختار الانسحاب من الوسط المدرسي لأنه لن ينجح فيه ومكانه الطبيعي في التجارةquot;
أما الوليّ محمود بوزيّان 54 سنة فقد دافع عن التلاميذ قائلا:quot;كما وُجد في تونس جيل غريب من التلاميذ الدمويين و المائلون إلى العنف ، فإن جيلا غريبا من الأساتذة الذين يحتاجون إلى الرسكلة و التكوين يملؤون الفصول و المعاهدquot; و يتابع:quot;هم السبب في دفع التلاميذ إلى اليأس من المدرسة و بالتالي الإلحاح في مغادرتها نهائيا ، لا يعرفون كيف يعاملون المراهقين و الصبية الصغارquot;.
يقول الباحث الاجتماعي فريد شامخ لإيلاف:quot; الحكومة تقول إنّ نسبة التمدرس تبلغ حاليا في تونس 99 بالمائة وقرابة 94 بالمائة من التلاميذ يتجاوزون المرحلة الأولى من التعليم الأساسي بنجاح ويدخلون المدارس الإعدادية ، في حين تتراوح نسبة الانقطاع المدرسي بالمرحلة الإعدادية بين 10 و12 وهي نسبة ضعيفة مقارنة بدول أخرى غير أنها سلبية للغاية خصوصا و أنّ البلاد لها طموحات كبيرة في مواصلة كافة التلاميذ التعلّم بهذه المرحلة بنجاح حتى يحصلوا على الحد الأدنى من التكوينquot;. و يتابع :quot;الانقطاع المدرسي و العنف في تونس يتحمل مسؤوليته الجميع ومن ذلك المجتمع المدني والمنظمات لأن دورها أساسي في التقليص من هذه الظاهرة و الاهتمام بالوظيفة الحقيقية للمدرسة، نحن نلاحظ أنّ البلاد لا تضمّ برامج ثقافية للطفل ، والاستماع والإصغاء له لا يبدو كافيا أو مُمنهجا بالشكل الكافي ثم إن مشاكله داخل الوسط المدرسي تفاقمت عما كانت عليه سابقا و لا يوجد من يقف إلى جانبه ومساعدته على تخطي الصعوبات التي تعترضه في حياته الدراسية وربط الصلة أكثر بينه وبين الأسرة والمؤسسة التربوية.
و يؤكّد الباحث الاجتماعي فريد شامخ على ضرورة تحسين علاقة التلميذ بأستاذه بجميع مراحل التعليم نظرا لأهمية هذا الموظف في توعية التلميذ بجدوى الدراسة والترغيب في مواصلة التعلم مشدّدا في ذات الوقت على ضرورة الاعتماد على أخصائيين نفسيين قادرين على التواصل بشكل أفضل مع الناشئة.