أحيا مرسيل خليفة حفلتين في قلعة دمشق حيث عبَّر عن الغضب العاصف من أثام الحرب ومعلنًا تورطه الصاخب في الحب.

دمشق: لم تقف الحدود ولا بعد المسافة عائقًا على الإطلاق أمام محبيالفنان مارسيل خليفة ومعجبيه الذين توافدوا إلى العاصمة السورية دمشق من لبنان والأردن وفلسطين لمتابعته، حيث أحيا يومي الجمعة والسبت الماضيين حفلتين في أحضان قلعة دمشق تميزت بالتنوع والإرتجال إن صح التعبير، ارتجال الجاز، الموسيقى الكلاسيكية، فإلى الموسيقى العربية الشرقية والتي لا تنفصل عن موسيقى مارسيل خليفة نفسه الجادة والملتزمة، كان للشاعرين الفلسطيني محمود درويش واللبناني طلال حيدر نصيب الأسد.

وأمام جمهور بلغ ما يزيد عن ألفي وخمسمائة شخص جاؤوا لتلبية دعوة خليفة التي وجهها قبيل الحفل أمام وسائل الإعلام منتقدًا فيها فضائيات الإبتدال quot;سنلتقي لنبوح بإيمان حار بالإنسان والفن والجمال في زمنٍ آسن يسيجه طاغوت المال وشراهة التسليع لكل القيم الرمزية، نعود إلى دمشق لنكتشف عيار نسبة السلامة في الذائقة الجمالية للجمهور أمام طوفان التفاهة المصنوعة في فضائيات الابتذالquot;.

فحلّق خليفة بأنغامه عاليًا بمصاحبة المغنية اللبنانية أميمة الخليل وفرقة الميادين التي تضم حاليًا أفرادًا من لبنان ومقدونيا وفرنسا والنمسا وبمشاركة مميزة لـ 16 عازف ومغني من سوريا، مسترجعًا خليفة وفرقته جميع الأغاني التي شكلت مع الوقت ذاكرة الملايين ووعيهم تجاه قضاياهم الإنسانية والاجتماعية والوطنية، والتي بدأها بأغنيته quot;ركوة عربquot; أتبعها بـ quot; سجر البنّquot; وquot;لبسو الكفافيquot; ومن ثم رافق أميمة الخليل بـ quot;كمنجاتquot; رائعة الشاعر الراحل الكبير محمود درويش، والذي أحيا الذكرى الثانية على وفاته عبر قصيدة quot;تعاليم حوريةquot; التي أهداها لوالدة الشاعر الراحل مؤديًا إياها برفقة المغنية يولا كرياكوس، أتبعها برائعته quot;إنهض يا ثائرquot; من كلمات الشاعر السوري أدونيس قدمها بتداخل موسيقي مميز لجملة من التراث الفلسطيني لأغنية quot;يما مويل الهوى يما مويليquot; أسرت الجمهور بألحانها.

ولأكثر من ساعتين ونصف الساعة تألق خليفة بأجمل أغنياته الشعبية التي أضفت عليها أجواء القلعة وعبق تاريخها جوًّا أخاذًا حلق معه الجمهور عاليًا بلغت ذروته مع quot;ريتا والبندقيةquot;، وامتدّ إلى أبعد مع رائعته quot;يا نسيم الريحquot;، quot;قولي للرشاquot;، quot;لم يزدني الورد إلا عطشاquot; للمتصوف العربي الكبير الحلاج، فأغنية quot;جواز سفرquot; والتي ألهبت آلاف الحاضرين بروعتها. ولم ينسَ خليفة كعادته أغنية quot;عصفور طل من الشباكquot; مع أميمة خليل وجوقة المغنيات السوريات مهديًا إياها لكل المعتقلين العرب في السجون الإسرائيلية، مضيفًا:quot;وأهديها أيضًا إلى كل السجناء العرب في السجون العربيةquot;. كما قدم خليفة مقطوعة quot;تانغو لعيون حبيبتيquot; من تأليفه واهداها للمناضل تشي غيفارا.

وكعادة خليفة الذي يفرد المساحة الكافية لجمهوره بالإرتجال ومشاركته الغناء بإشارة واحدة منه، صفق هو نفسه عاليًا هذه المرة لجمهوره الذي رافقه في غناء quot;منتصب القامة أمشيquot; إذ وقفت الجماهير بحماسة كبيرة لترديد الأغنية، كما أتاح خليفة للعازفين لأن يقدموا ارتجالاتهم منفردين في إطار مقطوعاته، وقام بمشاركة ولديه التي كانت مميزة للغاية رامي (بيانو) وبشار (إيقاع) اللذين عرفهما الجمهور من خلال الحفلات التي أقامها خليفة في شتاء 2008 ضمن احتفالية دمشق، حيث إرتجل ثلاثتهم في مقطوعة موسيقية أعقبت أغنية quot;جواز السفرquot;، فيما أرتجل بشار خليفة والذي شارك الثلاثي جبران على الإيقاع حفلات صيف العام في دولة الإمارات العربية المتحدة، في الأغنية الأخيرة quot;يا بحريةquot; والتي ختم بها خليفة حفلته لتكون كما أرادها بقوله quot;نستأنف في قلعة دمشق مسارًا لم نقطعه تحت أي ظرف؛ ومشروعًا ثقافيًا لم نساوم عليه في زمن الصمت والانهيارات في رحيل شاق وجميل نحو البحث عن ضفاف أخرى ومفردات أخرى للتعبير النظيف عن العالم؛ ارتماء طفولي في حضن الذاكرة؛ احتجاج واضح على فساد أشياء العالم؛ غضب عاصف على آثام الحرب وتورط صاخب في الحبquot;.