لغز وفاة أصغر كاتب حائز جائزة نوبل للآداب في عام 1960 مستمر، بعدما قضى في سيارة كانت تسير بسرعة باتجاه باريس، فاصطدمت بشجرة على بعد 24 كيلومترًا من سانس، واضعة حدًا لمسيرة أدبية ناجحة. فهل قتله السوفيات؟.

"إيلاف" من بيروت: بعد مرور ستين عامًا على وفاة ألبير كامو، الكاتب الفرنسي الجزائري الذي اشتهر بكتاباته في المدرسة العبثية، وفاز بجائزة نوبل للآداب في عام 1957، يكشف الكاتب الإيطالي جوفاني كاتيللي في كتابة "وفاة كامو" La mort de camus (منشورات بالاند، 37 يورو) أن كامو اغتيل على يد جواسيس الاستخبارات السوفياتية (ك.ج.ب.) ردًا على خطابه المعادي للسوفيات، بعد عقود من إعلان وفاته نتيجة حادث سير وهو في السادسة والأربعين من عمره.

من هو؟
ولد كامو في موندافي في الجزائر، وكانت عائلته من "الأقدام السوداء"، أي المستوطنين الفرنسيين في الجزائر، وكانت فقيرة، حيث توفي والده أثناء الحرب العالمية الأولى. دخل عالم السياسة في سنوات دراسته في الجامعة، فانضم إلى الحزب الشيوعي، ثم حزب الشعب الجزائري، وكان من أبرز المدافعين عن الحقوق الفردية، فوقف ضد الاستعمار الفرنسي.

كانت معظم إسهامات كامو الفلسفية تصب في المدرسة العبثية، ففي حين أنه غالبًا ما يتم ربطه بالوجودية، إلا أنه رفض وصفه بالوجودي مبديًا دهشته من وضعه في الفريق نفسه مع جان بول سارتر، وقد جلب إلى الأدب الفرنسي نظرة خارجية جديدة ترتبط بالأدب الحضري في باريس، إلا أنها تختلف عنه، كما كتب - إضافة إلى الروايات - بعض المسرحيات، وكان فاعلًا في المسرح في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته.

يوميات زابرانا
اكتشف جوفاني كاتيللي حقيقة مقتل كامو في يوميات الشاعر التشيكي يان زابرانا. يقول كاتيللي إن في النسخة الأصلية من هذه اليوميات مقطعًا لم يُترجم، يتحدث فيه زابرانا عن لقاء مع شخص روسي مقرب من الاستخبارات السوفياتية، ويروي عنه قوله: "سمعت شيئًا غريبًا جدًا من رجل يعرف الكثير ولديه مصادر موثوقة... إن حادث السير الذي قتل فيه كامو في عام 1960 دبّرته أجهزة الاستخبارات السوفياتية؛ إذ عطلوا أحد إطارات السيارة بأداة مزقته".

يوضح كاتيلي أن أمر تنفيذ هذه العملية صدر شخصيًا من وزير الخارجية السوفياتي ديمتري شيبيلوف، ردًا على مقالة كتبها كامو في مارس 1957، ونُشرت في صحيفة "فرانك تاير" الفرنسية، حيث وقف كامو علنًا مع الانتفاضة الهنغارية منذ خريف 1956، وانتقد بشدة الأعمال السوفياتية. كما أشاد بالمؤلف الروسي بوريس باسترناك المعادي للسوفيات ودعمه.

شهادة فيرجيس
أمضى كاتيلي سنوات في التدقيق في ادّعاءات زابرانا. في كتابه، أجرى مقابلة مع أرملة زابرانا، ماري. كما يتضمن الكتاب شهادة المحامي الفرنسي الراحل جاك فيرجيس، التي يكشفها للمرة الأولى المحامي الإيطالي جوليانو سبزالي.&

أخبر فيرجيس سبزالي أن حادث السير الذي قضى فيه كامو كان مدبّرًا. لم يكشف فيرجيس المزيد من التفاصيل، إلا أنه كان متأكدًا من أن الحادث تم تدبيره من قبل قسم من أجهزة اللاستخبارات السوفياتية بتأييد من الاستخبارات الفرنسية.

يجادل كاتيلي بأن صراحة كامو كانت تتداخل مع العلاقات الفرنسية – السوفياتية؛ إذ برزت شخصية كامو في عيون الشعب الفرنسي كتذكير بإمبريالية الاتحاد السوفياتي القاسية. وهذا ما أحرج السلطات الفرنسية حينها.

شكوك
يقول أليسون فينش، أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة كامبريدج، إنه لم يقتنع بما ورد في كتاب كاتيلي. ويعلل ذلك بالقول: "يوجد بين مؤيدي نظرية الاغتيال الكاتب والمخرج التشيكي بول أوستر الذي تعرّض وأسرته لاضطهاد النظام الشيوعي، وكان سبب حقده على الشيوعية وجيهًا".

بحسب فينش، إن المحامي المثير للجدل جاك فيرجيس، الذي دافع عن مقاتلي الاستقلال الجزائريين الذين تعرّضوا للتعذيب على أيدي الفرنسيين، لا يمكن أن يُنظر إليه بكونه معلقًا موثوقًا.

تساءل فينش عن نظرية التواطؤ الفرنسية، قائلًا: "هذا يعني أن الاغتيال تم بموافقة فرنسية على أعلى مستوى، ومن المفترض أن يكون شارل ديغول قد وافق عليه. حسنًا، هذا بالنسبة إليّ غير معقول. كان ديغول يكنّ مشاعر الاحترام العميقة للمثقفين الفرنسيين، بمن فيهم أولئك الذين لا يوافقونه وجهات نظره".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2019/dec/05/albert-camus-murdered-by-the-kgb-giovanni-catelli