تبحث جوليا شو في التفسير العلمي للتصرفات الشريرة التي تصدر عن الإنسان وتقارب الناحية الغامضة من شخصيته، وتقول إننا ولدنا كلنا قتلة، لا تنقذنا إلا قدرتنا على مراقبة اندفاعنا وسيطرتنا على الشر.

"إيلاف" من بيروت: في كتابها الجديد بعنوان "صنع الشر: العلم وراء الجانب المظلم من الإنسانية" Making Evil: The Science Behind Humanity’s Dark Side (320 صفحة، منشورات كانونغايت)، تضع الكاتبة جوليا شو نتائج دراسة مسهبة تناولت فيها أفعالًا لا يمكن الصفح عنها، وأرادت من خلاله أن تعرف لماذا يتصرّف الانسان بطريقة شريرة، وأن تغوص في علم النفس وتفسيره للناحية الغامضة من شخصية كل انسان.

نفهم... نسامح

يعتبر أسلوب الكتاب الدافئ وتفضيله التخفيف من الاذيّة بواقعيةٍ على التشويه الوحشي لسمعة الآخرين، مقاربة إنسانية جديرة بالثناء. إلا أن ذلك لا يجعل منه مرجعًا في علم أصول الكلمات.

فالكاتبة ترتكز في تفسيرها على بحوث في علمي النفس والأعصاب. كذلك، عندما تُقنع الكاتبة القارئ أن الظروف المعينة، إذا وجدت، ربما تجعل من أي إنسان مجرمًا وشريرًا، تُظهر الكثير من الحذر حين تقول إننا نرى كيف تؤثّر الظروف فينا تأثيرًا عميقًا، فليس ما يبرّر أن يتصرّف الانسان بطريقةٍ شريرةٍ، وما من عذرٍ لأن يسبب الإنسان الألم والمعاناة عمدًا للآخرين.

بين تفسير الكاتبة لما لا يمكن الصفح عنه وبين التصرف الشرير، وبعد التطرّق إلى موضوع إمكانية فهم الدماغ البشري بإمعانٍ أكثر في المستقبل، وإيجاد تفسير نفسي للتصرفات التي لا يمكن الصفح عنها، يتبيّن لنا في خلاصة قراءة الكتاب الآتي: "عندما نفهم كل شيء، نسامح على كل شيء".

الشر موجود... أين؟

تبدأ شو كتابها بالتطرق إلى مقاربة كل من نيتشه وهاملت للموضوع نفسه. فبينما كان الفيلسوف نيتشه يعتقد أن من يفكّر بطريقةٍ شريرةٍ هو نفسه الذي يتصرّف بطريقةٍ شريرةٍ، أتى هاملت ليقول إن نظرتنا إلى الأمور وطريقتنا في التفكير بها هو الذي ينعكس على أفعالنا. فماذا عن القتلة؟

أرادت جوليا شو أن تناقش إننا جميعًا نملك القدرة على أن نقوم بعمل إجرامي وبأعمال أخرى شائنة، لكن الحظ يحالفنا من الناحية الأخلاقية لأن لدينا القدرة على السيطرة على اندفاعنا في تنفيذ نزواتنا السوداء.

تقرّ شو بصراحةٍ بأنها هي نفسها تشعر بالرغبة في قتل أحدهم، كما تذكر حادثةً لشاب لم يتردد في قتل والده بسبب نصيحة مستشار نفسي يعلاجه من الإدمان على الكحول، قال له إن جوهر مشكلات الإساءة لديه سببها اعتداء جنسي تعرض له في طفولته.

لكن، في الواقع ووفقًا لتحليلها، ربما يكون السبب وراء غياب التعاطف مع الغير في حالة المرضى العقليين والمجرمين، حالة عصبية تتحدد منذ الولادة. وبالتالي، هل هو خطؤهم إذا ولدوا بدماغ مماثل؟

تسميات شريرة

للأسباب التي سبق ذكرها، تحاجّ شو بأننا نخطىء حين نطلق على الآخرين تسميات شريرة استنادًا إلى عملٍ واحدٍ قاموا به، كتسمية "مجرم" أو "مغتصب" أو "سارق" أو "كاذب"؛ أو عندما نستخدم العامل الوراثي بصفته تعابيرًا تدل على استيائنا من الآخرين، كنعنا أحدهم بالقول: "هذا مريض نفسي".

تقنعنا هذه العادة اللغوية بأن بعض الأشخاص لا ينبغي التعاطف معهم. لكننا جميعًا تقريبًا معرّضون للقيام بتصرّفات شريرة. وفي مثال على ذلك، يمكننا جميعنا تقريبًا أن نكون ساديين في مواقف معينة. تذكر شو على سبيل المثال نوعًا من العدوانية التي يمكن أن يكون كل واحد منا قد أحس بها من دون أن يفهمها، مثل عندما ينتابنا شعور غريب بأننا نريد إيذاء حيوان صغير. يقول كل منا لنفسه: "لا، لست أنا من يفعل كذا".

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2019/feb/20/making-evil-julia-shaw-review-humanity-dark-side