وصف الناقد والروائي محمد الأشعري رواية عالية ممدوح الأخيرة "التانكي" بأنها أجمل وأعمق ما كُتِب في الأدب العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها، حتى يصبح الوطن يمشي وحيدًا، ونحن نمشي وحيدين بعيدًا عنه.

إيلاف من بيروت: تواصل الروائية العراقية المغتربة عالية ممدوح في روايتها الأخيرة "التانكي" (272 صفحة، منشورات المتوسط – ميلانو) الانطلاق من بنية مكانية صغيرة، لكنها مؤثرة وفاعلة، هي بنية المستشفى أو المركز الصحي، حيث نجد بطلة الرواية عفاف ترقد في مشفى في باريس.

خزان النخب
الرواية، تاسع أعمال الكاتبة، وصلت إلى القائمة القصيرة في مسابقة البوكر للرواية العربية لعام 2019، وُصفت بحسب بيانِ لجنة تحكيم الجائزة، بـ"الأعجوبة الصغيرة".

"التانكي" كلمة تستمدُّ معناها من الإنكليزية، وتُستعمل باللهجة العراقية بمعنى الخزان، وهي اسمُ حيِّ النُّخب البغدادية التي اصطدمت أحلامُها بالتغيير في منتصف القرن الماضي، بمستقبل آخر.

"التانكي" عنوان يحمل دلالات متعددة، فقد يدل على حفظ الماء وما يعنيه من حياة وضرورة، أو هو خزان الذكريات والحكايات والصور والحوادث، وقد يقصد به خزان الآلام والأحزان، وربما يرمز إلى الترسبات وتشابه المؤثرات أو وحدانيتها ومصدرها، وأيًا كان المعنى المقصود، فكلها معانٍ عميقة، تستجر سيلًا من الصور والخيالات والتأملات والأسئلة أيضًا.

علاقة الإنسان بالمكان
قالت دار المتوسط إن الرواية "تضاف إلى مسيرة كاتبة يعتبرها النقاد من أبرز الروائيات العربيات في عصرها، وبين الكاتبات المغتربات، لما تتميّز به من خصوصية إبداعها الأدبي، ومتخيّلها السردي المليء بالتنوع، والنابع من صميم واقع الكاتبة ومحيطها، وتجاربها، بل وتوصف نصوصها كفعل ثوري، يتضح من خلال الانقلاب على السائد والموروث، ومن خلال التعبير عن قضايا نضال المرأة".

تسلط رواية "التانكي" الضوء على معاناة أبناء الشرق مع أوضاعهم الاقتصادية والأمنية المتردية، وما يترتب عليها من استلاب لأوطانهم، ووقوفهم في دائرة الاغتراب الذاتي والاجتماعي. وتركز على علاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود في المنافي أن تتخيَّل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مر بها البلد والتغييرات التي حدثت في المجتمع، عودة أدبية، لكنها تلامس حدود التراجيديا، بنسج حياة تتشارك فيها مع أبطالها، ما طال المكان من تحولات.

بطولة جماعية
تنحاز ممدوح في روايتها إلى الشكل، لكنها لا تُضحّي بالمضمون، حينما تلجأ إلى تشظية السرد وتحطيم نَسَقهِ الخطّي المتصاعد متجاوزة ما اعتادت عليه في رواياتها الثماني السابقات، التي نشعر فيها بهيمنة الشخصية الرئيسية التي تقود دفّة الحوادث.

في رواية "التانكي" بطولة جماعية، حتى وإن كانت "عفاف" تحمل ظلال البطلة أو الشخصية المركزية لهذه الرواية التي تبدو أقرب إلى السهل الممتنع، لكنها ليست كذلك في واقع الحال، لأنّ البنية المعمارية لهذا النص السردي لا تعوِّل على الرواية كجنس أدبي، وإنما تتعداه إلى السينما، وفن الرسائل، والأغاني العربية، وما إلى ذلك.

ولو تمعّنا في المضمون جيدًا لوجدناه أوسع بكثير مما يرد في متون الرسائل التي تكتبها شخصيات الرواية إلى كارل فالينو، طبيب عفاف النفسي، فالمضامين أبعد من الحُب، والحرب، والسياسة، لأن فصول الرواية وتفرّعاتها تتناول التاريخ والجغرافيا العراقيين قبل أن تقترب من لعنة الاستبداد، والتفرّد بالسلطة، وهجرة العقول المتنورة التي تبحث عن ملاذ آمن أو موت كريم.

يمشي وحيدًا
حظيت الرواية باستحسان شريحة من النقاد؛ وصفها محمد الأشعري، الناقد والروائي الحائز جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، بأنها "من أجمل وأعمق ما كُتِب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها، حتى يصبح الوطن يمشي وحيدًا، ونحن نمشي وحيدين بعيدًا عنه"..

أضاف الأشعري: "شعرت في أثناء قراءتي الرواية بأثقال الطوبوغرافيا التي صارت خريطة دواخلنا، ومجالًا مستباحًا بالعنف والحسرة والموت البطيء. ثم هذا المكعب الذي يشبه سفينة الطوفان، نغلقهُ على ما تبقى من خراب المدينة، ونبحر على متنه طلبًا للنجاة منه، ومن أنفسنا".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مصادر عدة. الأصول منشورة على الروابط الآتية:

https://bit.ly/2zyuZyX
https://bit.ly/2YBEZ34
https://bit.ly/2Y8snl7