إن الذكاء الاصطناعي قوة لا إنسانية، لكنها تبقى قوة في النهاية، وهي قوة قادرة على التأثير في مستقبل الرأسمالية العالمية، من خلال علاقة تربط بين الذكاء الاصطناعي والنظرية الماركسية.

إيلاف من بيروت: يستكشف كتاب نيك داير ويثفورد وأتل ميكولا كجوسن جيمس شتاينهوف "القوة اللاإنسانية: الذكاء الاصطناعي ومستقبل الرأسمالية" Inhuman Power: Artificial Intelligence and the Future of Capitalism (224 صفحة، منشورات بلوتو، 17 جنيهًا استرلينيًا) العلاقة بين النظرية الماركسية والذكاء الاصطناعي، من خلال عدسات المفاهيم النظرية المختلفة، من بينها: فائض القيمة، والعمالة، والظروف العامة للإنتاج، والتكوين الطبقي، والفائض السكاني، ويؤكّد أن التحليل الأعمق للذكاء الاصطناعي ينتج صورة أكثر تعقيدًا وإزعاجًا لمستقبل الرأسمالية.

يشير مؤلفو الكتاب إلى أن أوائل القرن الحادي والعشرين اتسمت بالكفاح الذي تم عبر الحدود الافتراضية والرقمية والفعلية والحقيقية. وتربط الثقافات والسياسة الرقمية بين الناس حتى أثناء وضعهم في توقيت واحد تحت المراقبة، وتسمح لحياتهم بأن تكون منجمًا لأجل الإعلان.

قنوات اتصال
تتميز المقالات الموجودة في الكتاب بالاكتشافات المهمة للأرضيات الجديدة وممارسات المقاومة، ما ينتج عنه استكشافات نقدية ومستنيرة لإمكانات التمرد والتحرير. تبحث الدراسات عن الثقافات الرقمية والسياسة التي تتقصى آثار الرقمنة الواسع على العديد من الأدوات الثقافية، وقنوات الاتصال الجديدة التي تدور حولنا، والوسائل المتغيرة لإنتاج الأشياء الرقمية وإعادة مزجها وتوزيعها.

يميل البحث إلى التذبذب بين أجندات الأمل التي تدعي بشكل ملحوظ زيادة المشاركة، وأجندات الخوف التي تفترض القمع الموسع والتسليع. وتتداخل حجة هذا الكتاب بين ثلاثة انتقادات جدلية. يمكن أن نتوقف عند الأول منها؛ وهو نقد استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لرأس المال، ويستتبع كل هذا الاستغلال والخروج من العمل المأجور للعمالة البشرية، وتركيز الثروة والسلطة الاجتماعية في أيدي أصحاب الشركات التقنية الكبرى.

يقول مؤلفو الكتاب: "إن تصوير الذكاء الاصطناعي كنتيجة لعملية البحث العلمي غير المعنية أمر ساذج. فذكاء الآلة هو نتاج ليس فقط لمنطق تكنولوجي؛ بل في نفس الوقت لمنطق اجتماعي، هو منطق إنتاج فائض القيمة. الرأسمالية هي مزيج من هذين المنطقين التكنولوجيين والاجتماعيين، وأصبح الذكاء الاصطناعي آخر تجسيد لدمجها الوهمي للحوسبة مع التسليع. انطلاقًا من التجارب الرقمية للمجمع الصناعي العسكري الأميركي، ظهر الذكاء الاصطناعي وتطور في إطار نظام اجتماعي اقتصادي يكافئ أولئك الذين يمتلكون وسائل أتمتة العمل البشري، وتسريع المبيعات، وتوسيع المضاربة المالية، وتكثيف سيطرة الشرطة العسكرية على اضطرابات السكان المحتملة".

توجيه الذكاء الاصطناعي
يظهر الكتاب تنوعًا مفاجئًا في الرأي حول استخدام الذكاء الاصطناعي بين قادة الشركات، بدءًا من احتضان متحمّس إلى التحذير المروع. مع ذلك، ما يتم مشاركته هو الاتفاق الضمني على أن هؤلاء هم الذين يتعين عليهم إملاء توجيه الذكاء الاصطناعي ليحددوا في مشاوراتهم وأحاديثهم مع المستويات العليا من الحكومة، ما الذي سيتم تبنيه، وما لن يتم تبنيه معهم، ومع التوازن بين المنافسة الحرة للشركات الحرة المصغرة والتنظيم الأخلاقي التحذيري وشبكات أمان السياسة لمنع حدوث أي عنف غير مرغوب فيه.
يضيفون: "هؤلاء العمالقة يحجبون الغطرسة الضخمة للطبقة الرأسمالية التي تعتقد أنها تستطيع السيطرة على القوى التي أطلقتها"، ويستشهدون بما قاله ماركس: "أخيرًا - وهذا ينطبق على الرأسماليين أيضًا - هناك قوة لا إنسانية تحكم على كل شيء".

ويتحدثون عن دور الذكاء الاصطناعي في تقوية الرأسمالية: "تمتلك الرأسمالية اليوم سؤال الذكاء الاصطناعي (...) ومعظم الأجهزة الذكية تتصرف بشكل خفي في خلفية الأنشطة على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر؛ في نتائج محرك البحث، ومواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو والإعلانات المستهدفة؛ في قبول أو رفض طلبات الحصول على قروض بنكية أو مساعدات رعاية؛ في استفسار من مركز الاتصال أو استدعاء سيارة أجرة حسب الطلب؛ أو في مواجهات مع الشرطة أو حرس الحدود، مراجعة شاشاتهم المظللة. في هذه الحقول كلها، كان الذكاء الاصطناعي معنا لسنوات".

تطويق الحياة
يرى مؤلفو الكتاب أن لفهم مدى فاعلية الذكاء الاصطناعي، "نحتاج إلى تحديد ماهية الذكاء الاصطناعي وكيفية عمله. نحن، بشكل قاطع، لسنا خبراء في الذكاء الاصطناعي؛ وسنرتكب أخطاء نابعة من افتقارنا إلى المعرفة التقنية، وكذلك من الطبيعة المتطورة بسرعة لهذا المجال. على الرغم من هذه الصعوبات، فإننا نعتقد أن هناك تصارعًا في المفاهيم الأساسية للذكاء الاصطناعي، وكيفية عملها في الواقع".

يختمون: "في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يهيمن رأس المال على تطوير الذكاء الاصطناعي، وتقوده بعض من أقوى الشركات الاحتكارية في العالم، تمكّنها الدول القومية، وبالمقابل تساعد الشركات هذه الدول التي تبحث عن أدوات للمنافسة الاقتصادية في السوق العالمية والأسلحة من أجل قواتها العسكرية والأمنية".

يضيفون: "يقوّي التعلم الآلي، والروبوتات المتقدمة، والتحليلات التنبؤية وغيرها من تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة رأس المال مقابل العمل، والشرائح النخبوية من العمال المرتبطين بالآخرين، وبالتالي من المرجح أن تزيد من عدم المساواة على خطوط التقسيم الطبقي التي هي أيضًا خطوط للجنس والعرق".