إيلاف من بيروت: عمر الجندي الروسي العادي الذي يقاتل الآن في أوكرانيا نحو 20 عامًا. أي أنه ولد في عهد فلاديمير بوتين، وذهب إلى المدرسة في عهد فلاديمير بوتين، وتم تجنيده وقُتل أو فقد أطرافه في عهد فلاديمير بوتين.

ضابطه القائد أو الملازم الأول، ليس أكبر منه كثيراً، وربما عاش أيضًا حياته كلها في عهد فلاديمير بوتين.

إذا بدأ كلاهما في قراءة الروايات في سن الخامسة عشرة، وهو عمر قياسي لمثل هذه القراءة، فقد جرفتهما العاصفة، لأنه اعتبارًا من عام 2014 – حين حصل أول غزو روسي لأوكرانيا - كانت "المعركة الرائعة" جارية في روسيا.

سلسلة "ميدان أوكرانيا"

"في المستقبل غير البعيد، يتبع المجلس العسكري في كييف أوامر أسياده الأميركيين ويبدأ إبادة جماعية للروس في جنوب شرق أوكرانيا"، وفقًا لكتاب أوكرانيا في الدم (Ukraine in Blood)، وهو عمل خيالي نُشر في عام 2015، "نوفوروسيا تحتضر في جمام دم، لكنها تقاوم. القتلة النازيون لا يستطيعون الانتصار، لذلك يطلبون المساعدة من الناتو. القتال غير متكافئ للغاية، لذلك تظل روسيا هي الأمل الوحيد. روسيا وحدها قادرة على وقف الإبادة".

يشكل هذا الكتاب جزءًا من سلسلة "ميدان أوكرانيا" (Battlefield Ukraine) وتتضمن الكتب الآتية: الجحيم الأوكراني: إنها حربنا! (Ukrainian Hell: It is our war!)، الجبهة الأوكرانية: النجوم الحمراء فوق ميدان (Ukrainian Front: Red Stars over Maidan)، ساحة المعركة في أوكرانيا: الرمح المكسور (Battlefield Ukraine: Broken Trident)، أوكرانيا الملتهبة (Ukraine Aflame).

موجة الستالينية الجديدة

للكتاب غلاف نموذجي يصور القوات الروسية المنتصرة، والقوميين الأوكرانيين المهزومين والجبناء، والطائرات الأميركية المخيفة لكن المحطمة. الرسالة واضحة: ستكون هذه حربًا دموية، لكن سهلة. كانت الرسالة متاحة. كان المؤلفون والموزعون يأملون في زرع بذرة في الصبي البالغ من العمر 15 عامًا والتي ستزهر ليصبح جنديًا في العشرين من عمره.

لا يعني ذلك أن الحملة الدعائية في المكتبات الروسية كانت مخفية على الإطلاق، إنما كانت جلية للعيان. حدث التحول المزاجي إلى الإعداد الكامل للحرب في سوق الكتب الروسية في أوائل عام 2010، حيث غمرت السوق موجة الكتب الستالينية الجديدة، التي روجت للديكتاتورية باعتبارها "أداة إدارة فعالة"، وإلا كيف تفسر كتابًا عن خبير التعذيب ومغتصب الأطفال في عهد ستالين بعنوان سخيف: بيريا: أفضل مدير في القرن العشرين (Beria: Best manager of the 20th Century). وشملت العناصر الأخرى لهواة الجمع الكتب الآتية: فخرًا لا خجلًا! حقيقة عهد ستالين (To be proud, not to be ashamed! The truth about Stalin Era)، الدليل الستاليني (The Stalinist’s Handbook)، و "القمع" الستاليني: كذبة القرن العشرين العظيمة (Stalinist ‘repression’: a Great XXth Century Lie). تم نشر هذه الكتب بشكل جماعي، واحتجاجا على ذلك أطلق عشرات الكتاب والصحفيين مبادرة "أوقفوا نشر الكتب الستالينية"، لكن من دون جدوى.

مضمون مقلق

هذه كتب مقلقة شكلًا ومضموناً. ونوع السفر عبر الزمن هو الأشد قتامة، إذ يفتح الباب أمام أحلك أحلام الأمة. وهذه الفكرة - تعني حرفيًا "أولئك الذين وصلوا إلى هناك" - ليست جديدة. قام مارك توين بتزيين كتابه يانكي كونيتيكت في محكمة الملك آرثر (A Connecticut Yankee in King Arthur’s Court)، واصفًا شخصًا عصريًا في العصور الوسطى. في عام 2010، قامت الدعاية الروسية بترقية هذا النوع من الأدب بعد أن أضافت العنصر الأساسي للاستياء التاريخي: بدلاً من بحث البطل عن هويته الخاصة، ينتهز الفرصة لإعادة كتابة التاريخ وبالتالي رفع روسيا إلى قاعدة العظمة العالمية، حيث تنتمي حقًا.

تتغذى هذه الأعمال على الشعور بأن انتصارات روسيا سُرقت منذ أوائل العصور الوسطى. ربما ليس من المستغرب أن ينتهز الروس المعاصرون في كتب "السف عبر الزمن" الفرصة لمعاقبة كل منافسيهم. لذلك، في كتاب يجب تدمير لندن (London Must Be Destroyed)، اقتحمت القوات الروسية المحمولة جواً المدينة في القرن التاسع عشر. وفي كتاب شركة أميركا الروسية (Russian America Inc) ، تقضي روسيا على الإمبراطورية البريطانية وتؤسس مستعمراتها الأمريكية الخاصة. وفي قيصر من المستقبل (Tsar From the Future)، يحتل الروس اسطنبول باستخدام قاذفات القنابل الآلية.

أحلك أحلام الأمة

تفتح هذه الكتب الباب أمام أحلك أحلام الأمة. في كتابي الرفيق الفوهرر (Comrade Führer) والرفيق هتلر (Comrade Hitler) – وفي كليهما يظهر أدولف هتلر جزئياً بالزي العسكري الروسي المحمول جواً يهاجم لندن ويحرق الدبابات الغربية - المؤلف الروسي يتخيل تحالفاً وديًا بين ستالين وهتلر. يستيقظ روسي معاصر في ذهن أدولف هتلر، ويصبح حليفًا لجوزيف ستالين، ويساعد السوفيات على هزيمة الإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة. وبعد إعدام ونستون تشرشل "بتهمة ارتكاب جرائم حرب"، ساعد في تطوير جهاز نووي سوفياتي، وأمر الفيرماخت "بالقتال مع الجيش الأحمر".

لا تثبت هذه الكتب أن فلاديمير بوتين خطط لخطواته الحالية قبل وقت طويل؛ لقد أظهرت أن الكرملين كان يعلم أنه سيحتاج إلى جحافل من الأتباع المخلصين الذين ينظرون إلى العالم الخارجي - خاصة أوكرانيا والولايات المتحدة - ككيانات معادية تستحق في يوم من الأيام مواجهتها. وها فجر ذلك اليوم قد بزغ.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "مركز تحليل السياسة الأوروبية"