في خمسينياتها، تتحدث الأميرة ماري، زوجة ولي عهد الدنمارك، عن معنى الانتماء إلى أسرةٍ مالكة في هذا الزمن الذي تحكمه تقاليد معاصرة مختلفة.

إيلاف من بيروت: ينظر أندِرس كريستيان مادسِن عبر بابٍ مفتوح في غرفة القراءة الخاصة بالأميرة ماري في قصر فريدريك الثامن، فيبدو له مشهد الصالونات المحاذية مشوِّشاً؛ إذ تقع العين على جدران جامحة تتنوّع ألوانها وملمسها من توقيع فنانين مثل أولافور إلياسون وكاسبار بونين ومورتن شيلد. وبحسبه، أُنجِزت هذه الأعمال الفنية بتكليفٍ من الأميرة وزوجها، ولي العهد الأمير فريدريك، في عام 2009، حين ابتاعا المبنى الذي يحمل اسم جدّه الأكبر، وطلبا من عشرة فنانين دنماركيين تزيين غرفه الفسيحة.

أميرة معاصرة
في موضوع غلاف عدد نيسان (أبريل) من مجلة الرفاهية العصرية How To Spend It Arabic، يتحدث مادسِن عن أميرة معاصرة، تختلف عن نظيراتها الأميرات. إنها ماري إليزابيث دونالدسون، التي صارت صاحبة السمو الملكي الأميرة ماري حين تزوجت من ولي عهد الدنمارك، وستكون ملكة البلاد العتيدة. ولدت في هوبارت بولاية تسمانيا الأسترالية في عام 1972، لوالد يعلم الرياضيات التطبيقية ووالدة عملت مساعِدة تنفيذية في جامعة تسمانيا. تحمل شهادة بكالوريوس في التجارة والقانون. تعرّفت إلى ولي العهد الأمير فريدريك في حانة خلال أولمبياد سيدني في عام 2000، ويعيشان اليوم مع أولادهما الأربعة: الأمير كريستيان (16 عاماً)، والأميرة إيزابيلا (14 عاماً)، والتوأمين الأمير فنسنت والأميرة جوزفين (11 عاماً).

في شبابها، لم تكن الأميرة ماري من متابعي أخبار الأسرة المالكة. ينقل عنها مادسِن قولها: "كنت أعي تماماً أن الملكة إليزابيث هي رئيسة الدولة وأننا جزءٌ من الكومنولث، لكن في حياتي اليومية، لم يكن حضور العائلة المالكة قوياً إلا في مناسبات محددة، كزيارةٍ رسمية أو زفافٍ أو احتفالٍ بيوبيل". تضيف: "اليوم، لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي بالملكة إليزابيث وبحماتي، ملكة الدنمارك، على تفانيهما في خدمة بلديهما وشعبيهما طوال حياتيهما".

الأميرة ماري والأمير فريدريك ولي عهد الدنمارك على درج أوبرا سيدني في أكتوبر 2013

مؤسسة جامعة
تصف الأميرة ماري العائلة المالكة الدنماركية بأنها "مؤسّسة جامِعة". وبحسب مادسِن، أظهر استطلاع أجرته شركة "كانتار غالوب" في عام 2020 أن 84 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 5.8 ملايين نسمة يدعمون الملَكية. وتقول هيل ثورنينغ – شميدت، وهي رئيسة سابقة للوزراء في الدنمارك بين عامَي 2011 و2015: "حتى في دولة قائمة على الرعاية الاجتماعية وحريصة على المساواة، تدغدغ لمسةٌ من العظمة مشاعر الإعجاب لدينا".

يساهم الإبهار الذي يحيط بزوجة ولي العهد في زيادة الاهتمام الإعلامي بها. تقول إن التأنق "الملكي" كان عسيراً جداً بالنسبة إليها، "إذ كنت معتادة على ارتداء قميص رياضي قصير الكمين فوق سروال قصير، وكان يُعرَف عني تنقّلي حافية القدمين". لكنها تمكنت لاحقاً من التخلي عن التنانير والفساتين المنمّقة، واستبدلتها بملابس رسمية غير منسّقة وبإطلالات بسيطة وانسيابية. بحسب مادسن، يقول عنها السير بول سميث إنها تتحلّى بالثقة اللازمة لارتداء ملابس تعكس السلطة التي يقتضيها دورها إنما بأسلوب يلائم العصر الحالي. وتحافظ دائماً على إطلالة الأميرات لكن من دون مبالغة. وهي قادرة حتى على جعل سروال الجينز الممزّق يبدو ملوكياً عليها!".

قبل ثلاثة عشر عاماً، شاركت الأميرة ماري في الدورة الأولى لقمّة الاستدامة الدوليةGlobal Fashion Agenda بقيادة الدنمارك، والتي باتت من الفعاليات الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة في قطاع الموضة، وتتميز بقائمة استثنائية من المتحدّثين ذوي التأثير الواسع. وفقًا لما تقول، كانت الاستدامة موضوعاً جديداً نسبياً في ذلك الوقت. أُحرِز بعض التقدم، إنما لا تزال هناك حاجة إلى تحوّل هائل، وهي تتطلع إلى اليوم الذي تصير فيه الاستدامة "هديةً نتلقاها مع كل قطعة ثياب نبتاعها".

نصيرة المرأة

يصف مادسِن الأميرة ماري بأنها "نصيرة قوية لحقوق المرأة الإنجابية، وصحة الأم، والحقوق الجنسية والإنجابية في البلدان النامية، والحقوق الدولية لمجتمع الميم"، لذلك تثير الجدل ببعض قضاياها وفقاً لاعتبارات يُمليها المشهد الجيوسياسي. وهو ينقل عنها قولها: "أنا من أشدّ المؤمنين بأننا نملك جميعنا الحق في أن نكون على حقيقتنا، بغض النظر عن الهوية الجندرية أو التوجّه الجنسي. الدنمارك صوتٌ قويّ في هذه المسألة، وأردتُ أن أناصر هذه القضية".

كان لدى الأميرة ماري دائماً إحساسٌ قويّ بالعدالة، وبضرورة أن يحظى الجميع بالمساواة في الفرص، أياً تكن خلفياتهم وأصولهم. وبحسب مادسِن، قامت بأكثر من عشرين رحلة عمل إلى كينيا مع منظمة Women Deliver المعنية بالمساواة الجندرية، وإلى إندونيسيا مع United Nations Populations Fund، وإلى إثيوبيا مع وزير التعاون الإنمائي الدنماركي. وفي العام الفائت، توجّهت إلى بوركينا فاسو لنشر التوعية حول محنة النساء اللواتي يعانين مشكلات مختلفة، مثل تشويه الأعضاء التناسلية، والزواج القسري، والحمل في سن مبكرة، والمعوّقات أمام تحصيلهن العلمي.

الأميرة ماري شغوفة بالفروسية، تقول: "لطالما كانت الاسطبلات مكاناً محبّباً إلى قلبي. هناك أكون ماري فحسب. إنها تحفّزني كثيراً على التأمل". أما أماكنها المفضّلة في الدنمارك ففي قلب الطبيعة. وفي كوبنهاغن، موقعها المفضّل هو قلعة روزنبرغ بهندستها المعمارية التي تعود إلى عصر النهضة والمستوحاة من الروايات الخيالية.

الأميرة ماري وسيدة لاتفيا الأولى إيفيتا فوجوني

صعوبات قليلة
لا تجد ملكة الدنمارك المستقبلية صعوبات في حياتها اليومية. تخبر مادسِن بأن الدنماركيين يعتزون بأن الأسرة المالكة قادرة على التنقّل بحرية في المجتمع، ولهذا ثمة احترام طبيعي للمساحة الشخصية، فهي تقصد كوبنهاغن وتخرج لتناول الطعام أو إلى السينما برفقة أولادها، فتشعر بأنها تتمتع بالمساحة اللازمة للقيام بهذه الأمور. أما التعايش مع وسائل التواصل الاجتماعي فمجال يحتل صدارة اهتماماتها. تقول عنه: "إنها أداة ومشكلة في الوقت نفسه. يمكن أن تتسبب وسائل التواصل الاجتماعي بتفاقم مشكلات كثيرة مثل التنمّر والوحدة، إنما لا يمكننا أن نتّهمها دائماً بأنها مصدر المشكلة لأنها تتيح بعض القنوات الفريدة للتفاعل مع الآخرين". وهي تسعى من خلال Mary Foundation التي أنشأتها في عام 2007 إلى معالجة مسائل مجتمعية مثل العزلة والتحرّش والعنف المنزلي.

لدى الأميرة ماري هواجسها بشأن الجيل المقبل، وهي مرتبطة بزماننا هذا. تقول لمادسِن: "لدينا مراهقان في المنزل، وسنوات المراهقة تنطوي على تحوّلات واسعة وهشاشة شديدة. ففيها يرتكب المرء الأخطاء، والأخطاء مهمّة. عسى أن يتعلّم الشخص من أخطائه". تضيف متكلمة عن أولادها: "نأمل في أن يكبروا ويصبحوا أقوياء ومستقلين، وفي أن يتحلّوا بالشجاعة لتحقيق طموحاتهم. مهمٌّ أن يعرفوا هويتهم، وأن يتباهوا بها وبالأسرة التي ينتمون إليها، وأن يدركوا ما تمثّله هذه الأسرة للدنماركيين".