اكتب هذه الكلمات والاسى يحز في نفسي على فراق شخص معزته لدي كمعزة والدي. لقد توغي مساء أمس الاثنين 4 كانون الثاني في لندن المحامي العراقي خالد عيسى طه. كنا نتحدث على الهاتف بين الحين والاخر وكان يرسل الي مقالاته التي تحتضن عالما بدون حدود من النشاط والفكر السياسي والاجتماعي. مودة صادقة ربطت بيني وبين خالد عيسى طه، رجل قانون محنك واعلامي قدير، على الرغم من الظروف الكئيبة التي جمعتنا في لندن، عندما حاولت يائسة ان اتقفى اثر والدي المخطوف في العراق عام 1972. كلام ابو خلود كان مرهما لجراحي التي لم تندمل من فراق اب وانا شابة صغيرة. كان خالد بارعا في التعبير والشرح والتحليل مما جعله يتبوأ في نظري مكانة رفيعة المستوى ولقبته بعمي، اذ رأيت فيه امتدادا للاب الضائع. كنا على خلاف دائم في الشؤون السياسية. واستقر بنا الحال على تلافي النقاش السياسي لأن كلا من منا كان متحصن في فلسفته السياسية. وكان التفاؤل اكبر قاسم مشترك بيننا.
ورحت يوما ازوره مع زميل عزيز في احد ايام الصيف قبل حوالي عامين لاجراء مقابلة معه عن ايام الخير في العراق. واستقبلني احر استقبال في جنة عدن التي شيدها حواليه والبلابل تغرد لحن الألفة والاخاء. وتبادلنا طرف الحديث عن ايام شبابه عندما قرر والده نقيب المحامين في العراق ان يطلب الى والدي المحامي يعقوب عبد العزيز ان يمرنه على مزاولة المحاماة. ولم اتمالك نفسي من التوجه اليه بالسؤال: quot; لماذا يكلف نقيب المحامين والدي اليهودي بهذه المهمة اذ كان بامكانه ان يطلب الى محامي مسلم؟ رد قائلا:quot; على هذاك الزمان سادت العلاقات الطيبة بين المسلمين واليهود كما ان والدي كانت تربطه علاقات الود والاحترام والتقدير مع الكثير من اليهودquot;. وروى لي خالد باسلوبه الهزلي كيف ان والدي ndash;محامي جنطة- كان يعفي المساكين والفقراء عن الدفع او يكتفي بما تيسر لديهم بينما يطلب سعرا عاليا من المتمكنين quot;. وفي محاولة للتخفيف عني، سرد لي قصة هروبه من العراق والتعذيب الذي يخصع له المعتقلون في غياهب السجون وكيف انه حالفه الحظ ان يخرج من العراق حيا. كان خالد يجيد تقليد اللهجة العراقية اليهودية مما اثار بالغ اعجابي بمواهبة المتنوعة وصراحته المنقطعة النظير. وفي ختام المقابلة اصر ان نتناول الغداء الذي اعده بنفسه احتفاء بالزيارة الاولى ! ولم تعرف دهشتي حدود عندما وقع بصري على عدة اطباق عراقية مشهورة لم تسول لي نفسي ان افرط فيها. هذا الكرم ذكرني بكرم حاتم الطائي وحسن الضيافة العربية! فقلت له مازحة:quot; والله خوش حتشي، الاستاذ طه صار خبير في الطهو! quot;. وفي وقت لاحق بعثت اليه بوصفة التبيت اليهودية العراقية ( الدجاج المحشي بالرز واللحمة ومتبل بالبهارات) التي اشتاق اليها كثيرا. وكم كنت اود ان اطهو له بنفسي هذه الطبخة!
رحل خالد الذي ما فتأ الدعوى الى حوار متمدن. وكل امنيتي ان تبقى معنا ثقافة الحوار والروح الاخوية والابوية التي اتسم بها ابو خلود في التعامل، داعية من الله عز وجل ان مناشدته للفرقاء ودعوته للالتفاف حول القوى الليبرالية والديمقراطية، تجد لها اذانا صاغية في العراق الذي ينسلخ كل يوم جزء من اشلائه في عمليات ارهابية، تحصد ارواح الناس المساكين.. وداعا يا عم!
ليندا منوحين- عبد العزيز كاتبة وناشطة من اصل عراقي في المجتمع المدني الاسرائيلي وعضو المجلس الاداري في جمعية السلام بين اسرائيل وسوريا ومنتدى شرق اوسط حكيم.
التعليقات