في بداية التسعينات، عندما انتقل لاعب الترجي الرياضي التونسي، نبيل معلول للعب في النادي البنزرتي ثم في النادي الإفريقي، الغريم التقليدي للترجي قامت الدنيا و لم تقعد.ورفض رئيس الترجي آنذاك سليم سيبوب تجديد عقد هذا اللعب. و كان كلما لمس معلول الكرة، تقابله جماهير الترجي بالصافرات و الشتائم و عبارات التخوين و السباب. و كاد ينتهي معلول، المحلل الرياضي للجزيرة الرياضية، الى النسيان. بعد سنوات أصبح ينظر لانتقال اللاعبين من فريق لآخر سواء في الداخل او الخارج، بعين الرضى بل و الفخر لأن في ذلك دلالة على مهارة اللاعب، الذي اصبح يسيل لعاب رؤساء الجمعيات و المشجعين على حد سواء، دون اي احتجاج، وعوض نبذه كما كان في الماضي تراهم يتنافسون من أجل استمالته بمئات الملايين حتى لا تختطفه الجمعية الأخرى.


الآن الشارع الرياضي التونسي، يصف عملية شراء و بيع اللاعبين في سوق كرة القدم بquot;المركاتوquot;، الذي بدوره احتل مكانة اهم من البطولة التونسية ذاتها،و اضفى مسحة من التسامح و quot;الانفتاحquot; بين المشجعين، الذين كانوا يغالون في التعصب للاعبيهم الى وقت غير بعيد، لساءل ان يسأل، بعد هذه المقدمة، عن علاقة مركاتو الرياضية بمركاتو الإعلام، لأن مقارنة بسيطة بين السوقين، يخلص الى ان الرياضة قطعت أشواطا متقدمة في اقتصاد السوق، و كنتيجة لذلك،هبت نسائم الحرية على هذا القطاع، عكسته جرأة الإنتقادات التي تنهال على رؤوس المسؤولين من جامعة كرة القدم، و جمعيات و وزارة، بعد ان نبذت الرياضة الشعارات و العنتريات، لتدخل اقتصاد السوق، و حسابات الربح و الخسارة.


في المقابل، و للأسف، ما يزال مركاتو الإعلام في تونس بدائيا، متعصبا و منغلقا على ذاته. فقبل ايام هددت صاحبة جريدة الشروق التونسية الزميلة سناء بالطرد، متهمة اياه بأن زوجها الذي يعمل رئيس تحرير جريدة الصباح، المنافسة، يقوم بإفراغ صحيفة الشروق من كادرها. و قبل سنوات، كال مدير قناة حنبعل الخاصة التهم للمذيعين معز بن غربية و علاء الشابي، لأنهما قررا مغارة القناة في اتجاه شركة انتاج خاصة تتعامل مع التلفزيون الرسمي التونسي، في مشهد يذكرنا ما كان يحدث في الملاعب التونسية بداية التسعينيات. فهل كتب على الصحفيين و الإعلاميين العيش بما يسد الرمق، حتى لا يغضبوا أرباب المؤسسات؟؟ و اذا كانت اقدام اللاعب، يمكن ان توصله الى العالمية و تحقيق البطولات، في ارقى الملاعب الدولية، اذا توفرت له الظروف و الإمكانيات، فلما لا يكون الأمر مماثلا للصحفي، الذي يمتلك قلما ماهرا، محترفا، مع الحفاظ على اكبر قدر ممكن من الحيادية، حتى لا نكون مثاليين مثل البعض و نتحدث عن الحيادية المطلقة،؟؟


رغم ما حققه القطاع الخاص منذ سنوات قليلة من خلق نواة صغيرة quot;لمركاتو الإعلامquot;، إلا ان صناعة الإعلام، في تونس ما تزال بعيدة المنال، لأن الصناعة تتطلب سوقا، منفتحة، تتبادل فيها المؤسسات الإعلامية الخبرات، و الإعلاميين و الأفكار و يتنافسون من أجل استقطاب احسن الكفاءات، ليس وئدها، حية و التنكيل بها ورجمها، و دفعها نحو الهجرة دفعا،في حين يعشش الوصوليون الجدد و الإنتهازيون بين ثنايا المؤسسات الإعلامية ينتظرون التسميات و الترقيات.
كما ان صناعة الإعلام تتطلب رؤوس أموال، تؤمن بالرسالة الإعلامية، و تفتح مجالات النقد و الكتابة الحرة للصحفيين، بعيدا عن quot;التعليماتquot; و المحاباة، و سياسة الخوف و اللغة الخشبية،مع تقديم المكافأة لم يستحقها.


و في صناعة الإعلام و سوقه، لا مكان للبيروقراطية الصحفية، و quot;للمسامير الصدئةquot;، التي رغم فشلها في المسؤوليات الإعلامية التي مسكتها فإنها ما تزال تقف حجر عثرة، امام تطور الإعلام التونسي، و تعمل جاهدة على الشد الى الخلف، كلما بان بصيص أمل كمثل ذلك الشيخ الذي يتخيل دائما ان الماضي احسن من الحاضر،لذلك و كي نصنع إعلاما قويا تنافسيا يجب اجتثاثها من جذورها.


قبل ايام و عندما انهالت الإنتقادات على مدرب المنتخب التونسي، فوزي البنزرتي، من البرنامج الرياضي quot;ستاد7quot;، غادر المدرب التونسي الربط المباشر، من انغولا، رافضا مواصلة الحديث، لكنه عاد في اليوم الموالي معتذرا، فاتحا صدره لكل الإنتقادات و الآراء، ورغم خروج المنتخب التونسي من الدور الأول، فإن اغلب التونسيين، ما زالوا يرون فيه المدرب المؤهل لقيادة المنتخب التونسي. ارجوا ان تعتبر وزارة الاتصال من ذلك،خاصة و ان على رأسها وزير هو بالأساس ابن القطاع، و ان لا تدير ظهرها للإعلاميين، و تقبل النقد والآراء المختلفة، ليخرج القطاع من عصر الهواية الى عصر الاحتراف، مثل كرة القدم.