quot;أنا أكره إسرائيل إذن أنا موجود!quot; على الرغم من اختزال هذا الكره، في التاريخ القريب، عربياً، إلى quot;كره سياسي محضquot; لوجود إسرائيل، كquot;كيان غريبquot; في فلسطين، أو كquot;خنجر في الخاصرة العربيةquot;، منذ سنة 1948، وتحوّله بالتالي إلى quot;كرهٍ عربيٍّ شاملquot; لquot;إسرائيل الكيانquot;، مختصراً في شعار العرب الأبدي المعروف، quot;قضيتنا هي قضية وجود أو لاوجودquot;(أي إما نحن نكون وتُعدم إسرائيل، أو العكس)، ولكن التاريخ(أو الأصح تاريخ الكراهية المتبادلة بين الضدّين)، يذهب بنا في هذا الكره القابع في قاع الذاكرة العربية، إلى ما هو أبعد من السياسة وكياناتها وكراهياتها. فهو، لم يصبح مغنياً مشهوراً ومعروفاً بين المسلمين فحسب، وإنما في الضفة الأخرى من الكراهية، لا سيما في أميركا وإسرائيل. ليس لأنه quot;مغني عظيمquot;، وإنما فقط لكونه quot;يكرهquot; إسرائيل وأخواتها. فالمغني الكاره لإسرائيل هذا، غنّى quot;كراهيتهquot;، كما جاء في إحدى حوارته السابقة، ليس لأنه رجل سياسة، وليس لأنه أحبّ دخول السياسة لا من أبوابها الأمامية ولا الخلفية، أو لأنه أراد أن يغني سياسةً ضد سياسة، فquot;السياسة مش في دماغه أصلاًquot;، على حد قوله، وإنما لأنّ quot;الكلام ده بيعجب الناس ومشي في الخط ده يبقى يكمل في الكلام عشان يبسط الناسquot;. فالرجل، عربياً، اكتشف لعبة الشهرة في البسط، والبسط في الشهرة، بأن أقرب الطرق إلى قلب جمهوره البسيط، العربي والمسلم، من بابه الأوسع، هو quot;غناء الكراهيةquot;، وطرب الناس الغلابة بالحض على حب الكراهية، لأنها بصراحة quot;تبسطهمquot;، وquot;تشتري قلوبهمquot;، وتدخل الغبطة فيها، على حدّ quot;إيمانquot; المغني عبدالرحيم بالفن ورسالته. ونزولاً عند رغبة هذا الشارع وناسه الذين ينبسطون لquot;كراهية إسرائيلquot;، أعاد عبدالرحيم غناء الكراهية مجدداً، بُعيد حذاء الزيدي، في أغنيةٍ quot;كارهةٍquot; جديدة أخرى له، مجّد وعظّم فيها جزمة هذا الأخير(الذي قوبل في باريس بالمثل، ربما إيماناً من الصحفي العراقي سيف الخياط بمقولة حمورابي الأشهر quot;العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلمquot;)، وحياها ألف تحية، مسمياً بوش في quot;رائعة الجزمةquot; تلك، بquot;إبن اللذينهquot;، الذي quot;يستـأهل ألف جزمة وجزمةquot;، على ذمة quot;الرسالة المؤمنةquot;، لquot;فنه المؤمنquot;! زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن(الشيخ، كما يطيب لأحد أقطاب الصحافة العربية المكتوبة، الأكثر شعبيةً، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي، عبدالباري عطوان المقيم في لندن، أن يسميه دائماً)، كرّرَ أمس، هذا quot;الكره الوجوديquot; لإسرائيل، محذراً أميركا والغرب بقوله: quot;أن غاراتنا عليكم ستتواصل ما دام دعمكم لاسرائيل مستمرquot;. أما الكبير عادل إمام، فلم تَفِتهُ هذه الظاهرة العربية بإمتياز(ظاهرة الكره الضروري لإسرائيل، بإعتبار quot;العرب ظاهرةً صوتيةquot;، على حد قول المفكر الليبرالي السعودي الكبير المثير للجدل عبدالله القصيمي)، حيث طالها بالنقد الكوميدي الجميل، كعادته، وهو يقلّد دور quot;المقاطعين العرب الكبارquot; لإسرائيل وبضائعها، وذلك برمي زجاجة الويسكي وسط الجمهور، وإطلاقه للكليشيه الأكثر شعبيةً، وقرباً من نبض الجمهور العربي: quot;أنا بكره إسرائيلquot;. الكل يكره إسرائيل، إذن، لأن العروبة في كونها quot;صوتاً عالياًquot;، وquot;غضبةً عاليةًquot;، وquot;عجزاً عالياًquot;، تقتضي هذا الكره الضروري، كواجب قومي ضروي(فضلاً عن كونه فرضاً ديني)، من المحيط إلى الخليج، ومن جاكرتا شرقاً إلى طنجة غرباً. ولكن ماذا عما وراء هذه quot;الغضبة العاليةquot;، في quot;الصوت العاليquot;؟ بالطبع، إسرائيل هي كأية دولة أخرى موجودة في هذه القرية الكروية، لها ما لها وعليها ما عليها؛ لها حسناتها وسيئاتها؛ كما لها صواباتها وزلاتها وسقطاتها. أن ننتقد إسرائيل كأي موجود آخر في هذا الوجود، فهذا أكثر من حق، أما أن نكره إسرائيل ويهودها، ونصنع شوارع أو عقائد من الكراهية بالضد من وجودهم، الذي بات بديهية واقعة، أو نقيم دولاً كلامية وكرنفالات خطابية من الكراهية وإليها، لا تقدم من حقيقة الموجود الإسرائيلي بشيء، فهذه قضية آخرى، يختبئ وراءها أكثر من خرافة، وأكثر من مطاردة للعقل، وأكثر من انتحار. ثم، لماذا نكره إسرائيل كدولة، وكلنا يعلم أنّ الدول ليست جمعيات خيرية، أو جمعياتٍ للرفق لا بالحيوان ولا الإنسان. فالدولة الحقيقية لا يعنيها سوى نصف الكأس الملآن، الذي يملي عليها مصالحها، أما النصف الفارغ فتتركه للفارغين، كي يقضوا به أوقات فراغهم، بالفارغ من الكلام والفارغ من الشعارات، من ألفها إلى يائها؟ لماذا نكره إسرائيل، كدولة حقيقية، وكلنا يعلم بحقيقة قيامها الصعب، لا بل المستحيل، الذي آل من quot;يوتوبياquot; إلى واقع حقيقي قائم، يمشي منذ حوالي 62 عاماً على الخريطة، لا بل في قلبها عربياً؟ لماذا نكره إسرائيل وكلنا يراها كيف تحوّلت خلال بضع عشراتٍ من السنين، من quot;سماءٍ مفترضة لميعاد موسىquot;، إلى quot;أرضٍ لميعادٍ أكيدquot;، لكل اليهود في العالم قاطبةً؟ لماذا نكره إسرائيل، وهي دولة ديمقراطية، يعلو فيها القانون، ولا يُعلى عليه، ويتم تداول السلطة فيها سلمياً بإنتخابات حقيقية، يترشح فيها العربي المختلف، إلى جانب اليهودي، في كونه مواطناً إسرئيلياً أولاً وآخراً، في ذات الوقت الذي نرى فيه، غير العربي(أو المختلف حتى لو كان عربياً) في بلاد عربية ديكتاتورية، عشائرية، بطرياركية، قريبة أو بعيدة، quot;مواطناًquot; خارجاً عن كل الدرجات، أعجمياً ممنوعاً من الصرف والنحو في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ودوائرها، من أولها إلى آخرها. لماذا نكره إسرائيل، ونرى ديمقراطيتها، كيف تنتخب الأفضل لشعبها، عبر صناديق الإقتراع، وتحاسب فوقها الكبير، إن أخطأ أو أساء استخدام السلطة، أو تقاضيه إن خرج على مصلحة البلاد العليا، كأي مواطن في التحت، بحكم القانون، فيما نرى المُلك في الفوق العربي الحاكم، ينتقل بالوراثة الأكيدة، أو بquot;الوصيةquot;، أو بإنتخابات شكلية مزيّفة مهرّجة، خارجة عن كل حرية، وكل ديمقراطية، معروفة النتائج سلفاً بتسعاتها الأربع(99.99)، فضلاً عن أن الحاكم العربي، هو العالي الأعلى بلا منازع، في كل البلاد، فوقها وتحتها؛ هو الأعلى من كل قانون، والأكبر من كل دستور، حيث هو في فوق الفوق، يعلو ولا يُعلى عليه؟ لماذا نكره إسرائيل، ونحن نراها منذ قيامها في 14 مايو 1948، تفعل ما لا تقول، وتحقق ما هو مستحيل، فيما نسمع العرب يقولون ما لا يفعلون، أو يقولون ما لا يذهب أبعد ما الشفتين؟ لماذا نكره إسرائيل، quot;الكيان المصطنعquot;، بحسب صنّاع الكلام العربي quot;الممتازquot;، ومفصّلي نظريات quot;الوحدة والحرية والإشتراكيةquot; وملقّني شعار quot;العرب واحد كدينهم الواحدquot;، وquot;الإسلام هو الحلquot;، وquot;الفقيه هو المخرَج والمنقذquot;، ونحن نرى quot;إسرائيل المصطنعةquot; هذه، بأم أعيينا، كيف طوّرت الذّرة وصنعت القنبلة النووية لتصبح خامس دولة نووية في العالم(حيث تملك أكثر من مئتي رأس نووي بحسب بعض التوقعات)، خلال بضع عقودٍ من تأسيسها، فيما العرب لم يصنعوا للآن إبرة مثقوبة؟ لماذا نكره إسرائيل، ويهودها(بملايينهم ال14) في الخارج والداخل حصدوا حتى الآن 180 جائزة نوبل(منها 171 جائزة في الفيزياء والكيمياء والطب والفيزيولوجيا وعلوم الإقتصاد والأدب، و9 في السلام)، مقابل 12جازة فقط(بينها واحدة في الفيزياء للباكستاني أكثر عبدالسلام عام 1979، وواحدة في الكيمياء للمصري أحمد زويل عام 1999، واثنتان في الآداب، واحدة للمصري نجيب محفوظ عام 1988 وأخرى للتركي أورهان باموك عام 2006، أما الثمانية الباقيات فهي جوائز للسلام)، لمليار و400 مليون مسلم؟ كيف أكره إسرائيل، وإني أراها الآن بأم عيني، بعد هولوكوستٍ كبيرٍ كثيرٍ طال الملايين من يهودها في الشتات الكثير، تقوم كعنقاءٍ متمردة تبعث من رمادها؟ كرهتُ إسرائيل مدرسةً كاملةً بحالها، قبل تحية العلم وبعدها، أمام معلمي على مقاعد الدراسة وخلفه، إلى أن أيقظتني حروفٌ ممنوعةٌ، بعد سباتٍ ثقيلٍ دام طفولةً كاملةً، واستغرق منهاجاً كاملاً في التربيتين الدينية والوطنية، فكشفت ذاتي أمام حقيقة إسرائيل، على عكس كراهيةٍ علّمني إياها معلمي الأول، في حضرة أول تحيةٍ مكرَهةٍ للعلم. أحب عَلَمي، ولكني لا أكره عَلَم إسرائيل.
هذا هو quot;الكوجيتوquot; العربي الذي يردده المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، ومن quot;المقاومة المهدquot; إلى quot;الشهادة اللحدquot;.
تاريخ شعبية المغني الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم الذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى quot;ظاهرة فنية نادرةquot;، بعد صدور ألبومه المعروف quot;أنا بكره إسرائيلquot;، يختزل تاريخ ذهنية quot;الكراهية الشعبيةquot;، العربية بخاصة، والإسلامية بعامة، لإسرائيل، بذات القدر الذي يختزل فيه، وعلى المستوى ذاته، السياسة والثقافة والإجتماع وأشياء أخرى كثيرة.
ماذا عما وراء حقيقة quot;مقاطعةquot; العرب quot;العاليةquot;، لإسرائيل وأورشليم(ها) المرفوعة على القدس؟
ماذا عن حقيقة المواجهة العربية لquot;حقيقةquot; إسرائيل، أو إسرائيل الحقيقية؟
ماذا عن حضور إسرائيل القوي في العالم، مقابل غياب العرب وحضورهم الأقل من الضعيف؟
ماذا عن قوة إسرائيل بيهود(ها) القلائل(حوالي 14 مليون نسمة في العالم، منهم حوالي 7.5 مليون في إسرائيل، و ما يقارب 5.3 في أميركا)، مقابل ضعف فلسطين بعرب(ها) ومسلميها الكثيرين، الذين ينوف تعدادهم عن 1.4 مليار نسمة)؟
ماذا عن جيش إسرائيل الفاعل(هو سابع أقوى جيش في العالم، بعد أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والهند، حسب تقريرٍ لوزارة الدفاع الإميركية)، مقابل الجيوش العربية الخربانة المعطلة؟
ماذا عن إسرائيل النووية، مقابل quot;عرب خمس نجومquot;؟
ماذا عن quot;إسرائيل نوبلquot; مقابل quot;عرب قراءة الكف والفنجانquot;؟
هي دولة موجودة على أية حال؛ ليست فوق الوجود، كما أنها ليست تحت العدم.
هي ليست مقدسة فوق كل الوجود، كي تُعبَد، ولا هي بمدنسة تحت الوجود، كي تُرمى إلى أقرب بحر.
هي كيان حقيقي لشعب حقيقي، له أن يعيش، إلى جانب دولة فلسطينية حقيقية، لكل الفلسطينيين، في الداخل والخارج، الذين يستحقون كل الحياة في وطنٍ واحد يجمعهم تحت علم واحد.
سوريا quot;العدوّةquot; المجاورة لها مثلاً، تتعامل مع أكرادها المولودين فيها أباً عن جد، كquot;أجانبquot; أو quot;مكتومينquot; ممنوعين من كل المواطنة وكل الهوية، لا بل حتى من السفر والتنقل بquot;نصف حريةquot; داخل وطنهم، فضلاً عن منعهم من السفر إلى الخارج؟
أحب ترابي، ولكني لا أكره تراب الآخرين.
أحب أن أكون ذاتي، ولكني لا أكره كون الآخرين.
- آخر تحديث :
التعليقات